تزج أميركا بحشودها السياسية والدبلوماسية بعد أن استعادت نغمة التهديدات التي غابت لبعض الوقت، أو هكذا تهيأ للبعض، وتوفد مندوبي حربها وعراب صفقة القرن إلى المنطقة، فيتوازعون الأدوار المختلفة والمتباينة أحياناً في حدّتها، وما يصعب عليهم بالدبلوماسية الناعمة، يتكفل به اللسان الغليظ لجون بولتون مع الإضافات القادمة من خارج النص، بما فيها التلويح بعصا التهديد.
فاللهجة الأميركية المهادنة كما تمّ توصيفها عادت إلى سابق عهدها مع حضور بولتون، وما سمعناه بعد وصوله إلى المنطقة يعيد المسألة إلى المربع الأول، وأحياناً إلى ما قبله، وخصوصاً لجهة الاتهام الواضح حول الأحداث الأخيرة وتفجيرات الفجيرة بالتحديد.
وبينما تجهد القنوات الدبلوماسية الأخرى التي تعمل بالتوازي معها على تقديم مقاربة تميل إلى المهادنة والبحث عن مخارج أو فتح أبواب في الحائط المسدود، يرى كثيرون أن الغاية الفعلية التي يتنطّع لها الأميركيون هذه الأيام هي لتمرير صفقة القرن، أو التي نراها في التوصيف السياسي خطيئة القرن.
وهو ما يبرز من خلال المحاولات المحمومة التي يقوم بها كوشنير عرّاب الخطيئة بجولات مكوكية لإقناع المترددين بطريقة لا تخلو من فظاظة التلويح بالغضب الأميركي..!! إذا ما بقوا على مواقفهم وترددهم مع كمٍّ لا بأس به من المغريات الخادعة حول المزايا التي تأخذ شكل تطمينات ذات طابع تهويلي.
لا نريد إطلاق الأحكام، لكن المكتوب يُقرأ من عنوانه، حيث المعضلة التي لا تزال تبحث عن حلول جذرية تتجاوز الارتباط العضوي بين التهديد والمهادنة، وتصل حدود ملامسة الخشية من تداعيات الفشل الذي تصطدم به أكثر المقاربات التفاؤلية، بما فيها الأميركية والإسرائيلية، ليس لأن الرافضين ارتفع عددهم، بل لأن الكثير مما كانوا يعوّلون عليه بات أقرب إلى الوهم.
وفي مقدمة ذلك التأثير الخليجي الذي تم تصويره على أنه القاطرة التي تجرّ خلفها موافقة غيابية، ومن دون نقاش، بدت صادمة لجهة الفراغ الذي أحدثته في جدار الحشد السياسي والدبلوماسي وإعطاب مفاعيل الزخم المتوقع، حيث اكتشف الأميركيون والإسرائيليون أنّ الهيمنة الخليجية ليست كما تمّ تسويقها، وأنّ الوعود التي قدمتها المشيخات بهذا الخصوص ينقصها الكثير من المصداقية.
فالاستنفار الدبلوماسي والسياسي وحشد الموفدين المباشرين باتجاه عواصم المنطقة غربها وشرقها مع شمالها وجنوبها، وبهذا الاكتظاظ، أرهق المتابعين، وأثقل على المحللين، حتى إنّ بعض العواصم أدرجت على لائحة الزيارات المتكررة، وجزء منها كان له حظوة وصول أكثر من مبعوث وموفد، إلى أن بات الأمر بعملية سباق مع الزمن، وخصوصاً أن ما قدمته تجربة الدعوة إلى منتدى البحرين، تصلح لتكون عينة للنتائج المنتظرة، والتي يبدو أن أغلبها معلّب مسبقاً وجاهز للتوزيع على «الرعايا».
والتعثر الأميركي يتراكم فشلاً بعد بدء المشروع الإرهابي بالأفول التدريجي.. وتشارف خطيئة القرن على الوصول إلى عنق الزجاجة، ومعها تبرز الاستعصاءات السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى العسكرية، وتواجه الخيارات متاعب العبور إلى الضفة الأخرى، ففي الهزيع الأخير يكثر الخطّاؤون، ويزداد عدد الراغبين في الاصطياد بالماء العكر، لكن بالقدر ذاته تكثر المغالطات السياسية، وتتعثر الخطوات، لتصبح الصفقة مجرد أوراق في ذاكرة تذروها رياح الفشل، وتغدو المنطقة بانتظار هزيمةَ القرن..!! فالفلسطينيون ومعهم محور مقاومة الإرهاب الذين تمسكوا بحقوقهم على مدى سبعين عاماً ونيف.. لن يكونوا غير ذلك حتى ولو كثر المطبلون ومن خلفهم..
a.ka667@yahoo.com
افتتاحية الثورة بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الخميس 30-5-2019
الرقم: 16990