الكذب، الفبركة، تَجميلهما بإسنادهما لمصادر، لشهود عيان، ذلك صار أحد أهم فنون السياسة العالمية الغربية، والأميركية تحديداً.
كي لا نجزم، نقول: قد لا يلوم المُجتمع بشدة مَوقعاً إخبارياً يَدّعي العمل في قطاع الإعلام والانتشار بفضاءاته، على سَقطَة انجرف إليها لسبب أو لآخر مُتجاوزاً مَواثيق الشرف التي تَحكم عمله ويُفترض أنها قيمة يَلتزمها، لكن إذا تَكرر الأمر، وصارت معه السَقطَةُ انحرافاً بالأداء، فلن ينفع اللوم ولن يُكتفى به، فالسقوط المُدوي سيكون مصير هذا المَوقع باسمه، وبمن يعمل فيه، وبالقائمين عليه، جهة رسمية أم شخصيات معروفة.
لا نَعتقد أن اثنين سيَختلفان على حَتمية السقوط كنتيجة يصلها المُدعي والكذّاب، وسيلة إعلامية، جهة سياسية، مؤسسة خدمية .. تعليمية .. تجارية .. الخ، ونَعتقد أن المُجتمع كثيراً ما يكون قاسياً بحكمه، ليس من ناحية الدعوة والمطالبة بإنزال العقوبات اللازمة للردع، وإنما لناحية التعاطي المُستقبلي مع هذه الجهات، فإعلان المقاطعة ربما يكون أقل ما في جعبة المُجتمع وأفراده الذين سريعاً ما يلتزمون، وحازماً يكون قرارهم بإدارة الظهر نهائياً لهذه الجهات.
الضررُ ومَقادير الأذى بادّعاء تَوفر مُواصفات لا تتوفر بمُنتج ما، قد لا تكون كبيرة وعظيمة وشاملة، غير أن العقوبة التي يَفرضها المُجتمع – لا المؤسسات الحكومية الرقابية – تكون كبيرة وعظيمة وشاملة، لماذا؟ وهل ذلك يَتصل بقيمة عليا من غير المسموح المَساس بها؟.
غريبٌ أمر المجتمع، وعجيبٌ حال الرأي العام الذي يُقابل بالعقوبات الكبرى التي يَفرضها، سَقطات تجارية كانت أم أخلاقية، على شركات أو جهات أو أفراد غالباً يكون الدافع حاضراً – الدافع مَقبول أو غير مَقبول بحثٌ آخر – بقوّة لارتكاب خطأ هنا أو لادعاء كاذب هناك، بينها تحقيق الربح، المنافسة، الانتشار .. ثم يَتراخى المُجتمع ذاته، والرأي العام نفسه مع حالات أخرى يكون لادعاءاتها وأكاذيبها وفبركاتها المُتعمدة وغير المُبررة إلا بدوافع شديدة القذارة، مَقادير لا حدود لها بالضرر والأذى المادي والمعنوي، بل تكون النتائج معها مُدمرة بكل مَعنى الدمار والتدمير؟!.
هذا حال الرأي العام العالمي مع أميركا، نتحدث هنا عن مُسلسلات أكاذيب، وعن أفلام ادّعاءات، وعن روايات مُفبركة، تتجند لها مؤسسات الدولة الأميركية الرسمية، من البيت الأبيض للخارجية والكونغرس والبنتاغون وصولاً لهوليود ومروراً بمراكز البحث والجامعات غير البَعيدة عن نطاق عمل ونشاط الاستخبارات؟!.
مورغان أورتاغوس المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تعقد مؤتمراً صحفياً، تتلو فيه بياناً للخارجية، لا تخجل، لا تشعر بالحرج، لا تتلعثم رغم معرفتها بأن كل ما تقوله هو كذب وافتراء ودجل؟!.
الأشدُ غَرابة أن العالم بات لا يخجل، لا يشعر بالحرج وهو يَستمع للأكاذيب ويَعرف مُؤداها، بل يَعرف كم ستتسبب بالأذى والضرر ليس على البلد المُستهدف بالكذبة المُوجهة ذاتها، بل يَعرف مَقادير الضرر على العالم الذي يُمرر الكذبة والرواية المُفبركة، والذي يُمرر ما يُرتبه عُهر أميركا على ذلك، بادّعاء كاذب آخر مفاده أنه يُحول الرواية المفبركة إلى دليل إثبات، يُمرره الرأي العام مرة أخرى، لتُمسي جريمته مُركبة!!.
أورتاغوس هذه، تقول إن بلادها قلقة من استمرار الهجمات الجوية السورية – الروسية على منطقة خفض التصعيد بسورية، لاحظوا الكذب، القلق من هجمات، لكن من تَستهدف هذه الهجمات، لا يَجبُ ذكر ذلك! يُوجد إرهاب هناك أم لا؟ لا يَجبُ التركيز على ذلك!!.
أورتاغوس هذه تضيف: غير مَقبول قصف البنى التحتية المَدنية مثل المدارس والأسواق والمشافي! لماذا لا تقبل أورتاغوس وبلادها بذلك؟ تقول: لأن هذا يُؤدي لتصعيد التوتر بالمنطقة، وهذه كلمة صدق تَستحق التصفيق لها، إذ تقصد بذلك أنه ربما تَندفع بلادها لارتكاب حماقة الدفاع عن الإرهابيين المُرتزقة الذين تَستهدفهم الهجمات الجوية السورية الروسية!.
ليس من باب أن الإنسانية لا تعني شيئاً لأورتاغوس لتَنسى قصف المدارس والمشافي والأسواق، بل هي ذهبت إلى بيت القصيد وتَجاوزت المسألة الإنسانية لأنها تعرف أصلاً أن لا قصفَ يستهدف المدارس والمشافي والأسواق.
الهجمات الجوية أدت لنزوح 300 ألف مدني – أحصتهم أورتاغوس وتأكدت من أنهم مدنيون جميعاً – كما أدت لمقتل 200 مدني بينهم عشرات الأطفال – تحققت أورتاغوس من الحالة ووثقتها بصور ستكشف عنها لاحقاً – وإننا نأخذ التقارير حول استخدام السلاح الكيماوي على محمل الجد وننتظر نتائج التحقيق؟!.
هل يكفي؟ أم نَسأل عن مصادر التقارير والروايات المُفبركة حول الكيماوي؟ الخوذ البيضاء أم آخرون ممن يقومون بمهمات أشد قذارة، هي مَصادر أميركا؟ .. هذا عالمٌ فاجر إذ يُمرر لأميركا كذبها وفبركاتها، يُصفق لها ولا يَكتفي بالامتناع عن كَشفها وتَعريتها، أما نحن فسنُواصل مُواجهتها، وسنَهزمها.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 30-5-2019
الرقم: 16990