ملحق ثقافي:سلام الفاضل:
تنبع أهمية مسرحيات داود قسطنطين الخوري من طبيعة ووظيفة الموضوعات والمضامين الوعظية والإرشادية التي طرحها منتصف القرن التاسع عشر، والتي تحض على الوفاء وحفظ العهود والمواثيق، وتحارب كل أنواع الرذيلة الأخلاقية والدينية والاقتصادية والتعليمية، كما تأتي أهميتها الفائقة كذلك من كونه دافع فيها عن سورية وعن العرب والعروبة واللغة العربية دفاع أبنائها الغيورين في شعره وأغانيه وأناشيده وألحانه التي كان يبتكرها؛ وعليه أضحت مسرحيات الخوري حلقة مهمة في تاريخ المسرح الغنائي العربي والسوري، لأنها تابعت نهج القباني في «الأوبريت» الغنائية ونجحت فيه. كما حذت حذو القباني في استخدام اللغة العربية الفصيحة ممزوجة بالعامية، لتغدو لغة مفهومة من قبل شرائح المجتمع كافة، إضافة إلى استخدام الشعر والنثر جنباً إلى جنب في الحوار المسرحي.
وكتاب (المسرح الغنائي العربي.. مسرحيات المعلم داود قسطنطين الخوري)، تحقيق وتصحيح ودراسة: محمد بري العواني، هو عنوان الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي عمل فيه محققه كما جاء على لسانه في مقدمة هذا الكتاب، معتمداً على الطبعة الوحيدة لأعمال الخوري الشعرية والمسرحية التي جمعها ونسقها الأستاذ شاكر مصطفى، وصدرت عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سورية عام 1964.
داود الخوري
ولد داود قسطنطين الخوري في مدينة حمص عام 1860، وتربى في كنف والده على مكتبته العامرة بكل فنون الأدب والعلوم. أتقن الخوري اللغة العربية والشعر والحساب والموسيقا ومسك الدفاتر التجارية، وعمل في التعليم حتى عام 1914. ترأس منذ عام 1904، وحتى عام 1914 «جريدة حمص»، وربطته علاقة وطيدة بجمعية «الإصلاح العربي». تعرف الخوري إلى أبي خليل القباني في دمشق عام 1878 وعمل معه في المسرح حتى احتراق مسرحه، وفي عام 1925 هاجر داود قسطنطين الخوري إلى البرازيل، وعاش في سان باولو بين أولاده وأحفاده حتى وفاته عام 1939.
كتب الخوري ثماني مسرحيات هي: (مثال العفاف في رواية الأميرة جنفياف – الصدف المدهشة – اليتيمة المسكوبية – عمر بن الخطاب والعجوز – الابن الضال) وقد نشر هذه المسرحيات الخمس شاكر مصطفى ضمن تراث الخوري الكامل؛ غير أن المسرحيات الثلاث الأخرى ضاعت وهي: (جابر عثرات الكرام – السامري الشفيق – العُشر العذارى). وللخوري مسرحيتان كتبهما بالاشتراك مع رفيق دربه في التعليم المعلم يوسف شاهين، هما: (يهوديت – سمير أميس).
سمات مسرحيات المعلم
الاقتباس والحبكة المسرحية: اقتبس الخوري في ثلاث مسرحيات موضوعات مسرحيات أجنبية وحبكاتها وشخصياتها دلت عليها عنواناتها، غير أنه اجتهد في تبيئة الموضوعات الأجنبية عن طريق لغة الشخصيات من جهة أولى، وعن طريق الشعر والتراتيل والترانيم الدينية التي ألفها بنفسه وقد حُمّلت بشحنات روحية عربية من جهة ثانية.
الشخصيات المسرحية: على أساس الاقتباس تبدو شخصيات المعلم الخوري جميعاً شخصيات نمطية بسيطة ذات هدف أو غرض واحد. وهي على الدوام مدججة بالانفعالات المبالغ فيها، والتي تقوم نفسياً وعاطفياً على الإرشاد والوعظ، أو على الإمعان في الشر الأخلاقي الذي يحاربه المؤلف بكل طاقاته الوعظية.
وعليه فإن شخصيات الخوري الرئيسة الموجبة هي شخصيات نموذجية؛ فالمرأة لديه عفيفة وطاهرة ووفية ومخلصة، وتقاوم كل الإغراءات وتصبر على مصائبها. أما الشخصيات السالبة – الفاسدة لديه، فهي تلك التي تطمع في أعراض الناس وأموالهم وممتلكاتهم، وتمتاز بالجشع، والغدر، والحسد.
الصراع الدرامي: يظهر الصراع الدرامي في مسرحيات الخوري صراعاً بسيطاً معبراً عن هدف الشخصية الوحيد الذي تسعى إليه لتحقيقه، ولهذا فهو صراع لفظي في أعمه الأغلب، تفصح عنه تلك التأوهات والتوجعات التي تعتري الشخصية وهي تعاني، غير أنه كثيراً ما ينوء بالعظات الأخلاقية التي يتم استمدادها من الكتاب المقدس، ومن بعض آيات القرآن الكريم، ومن سرد الحكايات الدينية ذوات العبر الباهظة.
اللغة والحوار والموسيقا والغناء: تنحو اللغة في مسرح عصر النهضة نحو التركيب اللغوي المسجوع غالباً لأنه إحدى الظواهر التي كانت سائدة آنذاك، وعليه فإن المتتبع لمسرحيات الخوري يلاحظ سيطرة النغمة الغنائية الميلودرامية الأسيانية على الدوام في مسرحياته من خلال جريان الأحداث ولغة الحوار والأشعار والتراتيل والترانيم.
وإن ما أنجزه الخوري من غناء في مسرحياته إذا ما قيس بما أنجزه شيخه القباني، فإنه يعد ضيئلاً جداً. ولهذا فقد بدا غالباً الكثير من التجهم في مسرحيات الخوري بسبب سيطرة الأوزان الشعرية الطويلة والنغمة الأحادية. على أن من أهم ما يسجل للخوري في هذا المضمار هو التفاته المبكر إلى أغنيات الأطفال في المسرح، انطلاقاً من إدراكه أهمية الدور التربوي للموسيقا والغناء في التوعية والتنشيط الجسدي والعقلي والروحي، ولا سيما حين تكون اللعبة جماعية.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب الذي يقع في 419 صفحة من القطع الكبير، يضم في نهايته مسرحيات داود قسطنطين الخوري الخمس (مثال العفاف في رواية الأميرة جنفياف – الصدف المدهشة – اليتيمة المسكوبية – عمر بن الخطاب والعجوز – الابن الضال).
التاريخ: 2-7 -2019
رقم العدد : 17014