عينا حبيبتي والاغتراب, عنوان شدني منذ أن وقعت عيناي عليه عند أحد الزملاء, على طاولته الخشبية, عينان واغتراب, وبحث عن النور الذي هاجر, لا أدري لماذا شدني العنوان كثيرا, استعرت المجموعة على غير عادتي بالقراءة إذ لا أومن باستعارة كتاب, فالكتاب يجب ألا يعار, وحين يعجبك كتاب, فلم لا تقتنيه..؟
بعد هاتين العينين اللتين اغتربتا, وتركتا بقلب الشاعر ما تركتاه, كمعادل فني وموضوعي وإبداعي, شدني الشاعر إلى متابعة منجزه الشعري الرائع, وما اكثر وأنبل ما قدمه للإبداع العربي, تمضي بنا الايام ومن حسن حظي أني تعرفت إليه شخصيا في جريدتنا (الثورة) وحين تقترب من نار المبدع, أنت أمام أمرين لاثالث لهما: إما أن تقترب أكثر أو تنفر إلى غير رجعة, وتتمنى لو أنك لم تقترب..عبد الكريم الناعم يجعلك تسأل: كيف لم اعرف الشاعر شخصيا قبل, ولماذا مضى هذا الزمن هكذا..
يشدك بكل ما يقدمه, يبدعه, تسحرك شخصيته النبيلة الطالعة من طيب الارض وعطرها والوفاء لماض من المعاناة التي صهرتنا فما ازددنا إلا نقاء..اليوم عبد الكريم الناعم أكمل الثمانين قمرا ونيفا, لم يكل ولم يمل, لم يترك القلم, ولاعطر الحبر, دبج المقالات,,ابدع الشعر, ووثق آلاف الأغاني الشعبية كما عرفت في مكتبته العامرة, مازال بهيا نشطا, يكتب حديث الصباح, ليبقى اليوم بهيا, نضرا, عطرا.
ثمانون قمرا ونيفا في سماء العمر (زادها الله) لم يكن الامر كما قرأت في مداراته وسيرة من حياته, لم يكن هينا, والدرب الذي عطره لنا بالحبق والشذا, لم يكن ورودا ورياحين أمامه, وقع خطواته البهية التي حفرت مجرى عميقا في كل ما قدمه, هو الذي جعلنا نمضي على دروب نظنها حريرا كانت, لكن حريرنا من نسجه هو..
كل ما قدمه الناعم للمكتبة العربية, يدل على الأصالة والإبداع المعاصر من غير حذلقة وغموض قاتل, من زهرة النار التي صدرت عام 1965 إلى آخر عمل له وصلني, نوافذ لأقمار الوقت, ثمة دهشة ما أروعها, وقدرة على ان يكون الشاعر متجاوزا كل ما قدمه سابقا, لا يمتح من ماء ساكن, كتابه الحياة التي يعيدها لنا جمرا متقدا, في اللغة والتكثيف, والرؤيا صور الحياة التي نمر بها دون أن نعيها, لكنها تغدو لوحة بهية نضرة, نرى فيها ألوان حيواتنا, وقدرتنا على استعادة ما كنا نظن أنه صار منسيا.
في آخر مجموعاته (لأقمار الوقت) وهي صادرة عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق, يوثق فيها كما كتب لي في إهدائه (من ثمار أيام الدم), نعم, أيام الدم والناعم خبرها, عاش كوارثها في حمص, كما في كل مكان كانت فيه, المجموعة شاهد حي على ما كان, من مقدمتها, من الفها, إلى يائها, كل حرف, وكل مقطع يشي أن جسدا أمامك, أن دما يواجهك, هنا شلو, وهناك مزق لطفل, وهناك بقايا رغيف خبز على صدر أمّ عائدة لتطعم أبناءها من مزق الجسد, والحكايا طويلة طويلة:
حتام نرمى على ابواب شهقتنا
ويستبد بنا (الحمر) الطواغيت..؟
تكالبت أمم الانذال تدهمنا
وسابقتنا إلى القبر التوابيت
فأشعلوا في الدم الفوار وردته
حتى تكون لنا المواقيت
موتنا, دمارنا, حيواتنا المشتتة, هذا المشهد كله هو من صنع من يدعون الحضارة, صنع من يتاجرون باسم الانسانية, إنه من حبر الغرب الفاسد, من جنونه و من حقده:
إنها اللحظة, جرح مترف بالنزف والخوف
انتظار لدمار قادم من فلك الغرب
متى كان لهذا الغرب أفق
غير أن يطغى وأن يستاف ديدان الغبار ؟
من أعماله
– زهرة النار- شعر- إصدار وزارة الثقافة- دمشق 1965.
– حصاد الشمس- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1972.
– الكتابة على جذوع الشجر القاسي- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1974.
– الرحيل والصوت البدوي- شعر- إصدار مؤسسات بن عبد الله- تونس 1975.
– عينا حبيبتي والاغتراب- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب-دمشق 1976.
– تنويعات على وتر الجرح- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1979.
– عنود -شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1981.
– دارة- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1982.
– احتراق عباد الشمس- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1984.
– أقواس- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1986.
– من مقام النوى- شعر- إصدار اتحاد الكتاب العرب- 1988.
– في أقانيم الشعر- دار الذاكرة- حمص 1991.
– أمير الخراب- شعر- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1992.
– كشوفات- دراسة- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1993.
– من سَكَرِ الطين- شعر- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1995.
عبد الكريم الناعم, أقمارك وهج عطاء, تستحق كل تقدير واحترام بصمتك خالدة في المشهد الابداعي والنضالي, كل عام وانت بخير.
دائرة الثقافة
التاريخ: الاثنين 8-7-2019
الرقم: 17018