الثورة – أسماء الفريح:
انطلاقاً من رؤيةِ الإدارةِ الأميركيةِ بضرورةِ رفعِ العقوباتِ عن سوريا لبدءِ مرحلةٍ جديدةٍ من التعاونِ بين البلدين، وخاصةً أن استمرارَها لا يخدمُ مصالحَ الولاياتِ المتحدةِ ولا الاستقرارَ الإقليمي، جاء تصريحُ المبعوثِ الأميركيِّ الخاصِّ إلى سوريا، توم باراك، بأهميةِ منحِ سوريا فرصةً حقيقيةً عبر الإلغاءِ الكاملِ لقانونِ قيصر.
زيارةُ الرئيسِ أحمد الشرع إلى الولاياتِ المتحدةِ ولقاؤه الرئيسَ دونالد ترامب في العاشرِ من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، شكّلا تتويجاً لمسارٍ اقتنعتْ واشنطن بجدواه منذ نجاحِ اللقاءِ الأول الذي جمع الرئيسين في الرياض في أيار/مايو الماضي، وإعلانِ ترامب حينها عن رفعِ العقوباتِ عن سوريا، وقولِه إن “هذه العقوبات أدّت فعلًا مهمةً أساسيةً، لكن الأوان قد آن كي نعطي سوريا الفرصة”، فيما أكدتْ سوريا، من جانبِها، أهميةَ رفعِ العقوباتِ لدعمِ مسارِ التعافي وإعادةِ الإعمار.
وكان الكونغرسُ الأميركيُّ قد أقرّ في 11 كانون الأول/ديسمبر 2019 قانونَ قيصر لمعاقبةِ أركانِ نظامِ الرئيسِ المخلوعِ بشار الأسد على جرائمِ حربٍ ارتكبوها بحقِّ المدنيين، لكن استمرارَ هذا القانون بعد زوالِ النظامِ البائد بات يؤثرُ سلبًا على الشعبِ السوري، وخاصةً أنه يطالُ أيَّ جهةٍ محليةٍ أو أجنبيةٍ تستثمرُ أو تتعاملُ مع البلادِ في قطاعاتٍ حيويةٍ مثل الطاقةِ والطيرانِ أو البناءِ والمصارفِ.
وكرّر الرئيسُ الأميركيُّ بعد لقائه الرئيسَ الشرع في “البيتِ الأبيض”، الاثنينَ الماضي، القولَ: “نريد أن نرى سوريا تتحول إلى دولةٍ ناجحةٍ للغاية”، وأن “استقرارَ سوريا ونجاحَها أمرٌ بالغُ الأهميةِ لجميعِ دولِ المنطقة”، في إشارةٍ منه إلى أن هذا النجاحَ لا يمكنُ بلوغُه فيما تعاني سوريا من سيفِ العقوباتِ الذي يُكبّلُ تحركاتِها باتجاهِ التعافي والنهوضِ وإعادةِ الإعمار.
وقال الرئيسُ الشرع في مقابلةٍ مع صحيفةِ “واشنطن بوست” عقبَ لقائه الرئيسَ الأميركيَّ في “البيتِ الأبيض”: “من الواضح من خلال سياساتِ الرئيسِ ترامب أنه يؤيدُ استقرارَ سوريا ووحدةَ أراضيها، ورفعَ العقوباتِ عنها بالكامل، لذا فهو يدفعُ في هذا الاتجاه”، مشيراً إلى أن غالبيةَ أعضاءِ الكونغرس الذين التقاهم يؤيدون أيضاً رفعَ العقوباتِ.
وأعلنت وزارةُ الخارجيةِ والتجارةِ والخزانةِ الأميركيةُ في بيانٍ مشتركٍ الاثنينَ الماضي، تعليقَ العملِ بقانونِ “قيصر” لمدةِ 180 يوماً، ما يؤكدُ التزامَ الولاياتِ المتحدةِ بمواصلةِ تخفيفِ العقوباتِ عن سوريا.
وذكر البيانُ، أن رفعَ العديدِ من العقوباتِ يهدفُ إلى دعمِ جهودِ سوريا لإعادةِ بناءِ اقتصادِها وتحقيقِ الرخاءِ لجميعِ مواطنيها، كما شدّد البيانُ على أن الرئيسَ ترامب يُنفّذُ وعدَه بمنحِ سوريا “فرصةً للعظمة”.
رفعُ العقوبات: تحوّلٌ استراتيجيٌّ أم تكتيكٌ مرحليٌّ؟
وحولَ ما إذا كان رفعُ العقوباتِ الأميركيةِ عن سوريا يمثّلُ تحوّلاً استراتيجياً أم تكتيكاً مرحلياً، وخاصةً أن الإدارةَ الأميركيةَ الحاليةَ أظهرتْ بعد سقوطِ النظامِ المخلوع توجّهاً، بدعمٍ من دولٍ عربيةٍ وإقليميةٍ، نحوَ التغييرِ وإعادةِ النظرِ في السياساتِ المتَّبعةِ سابقاً نظراً لما تحمله من انعكاساتٍ سلبيةٍ على الشعبِ السوري، نستشهدُ هنا بقولِ الرئيسِ ترامب عند توقيعِه أمراً تنفيذياً يقضي بإنهاءِ برنامجِ العقوباتِ المفروضِ على سوريا في تموز/يوليو: “رفعتُ العقوباتَ عن سوريا من أجل منحِها فرصة”، مشيراً إلى أن هذه العقوباتِ تعوقُ نهوضَ سوريا.
وسبق أن تحدّثَ ترامب عن معاناةِ سوريا خلالَ الأربعةَ عشرَ عاماً الماضية بقوله من الرياض: “إن سوريا عانت من بؤسٍ شديدٍ وموتٍ كبيرٍ ومن حروبٍ لفترةٍ طويلةٍ وعملياتِ قتلٍ امتدّتْ لسنوات”، فيما حذّر تقريرٌ صادرٌ عن برنامجِ الأممِ المتحدة في شباط/فبراير الماضي من أنه في ظلِّ معدلاتِ النموِّ الاقتصاديةِ الحالية، لن تتمكّنَ سوريا من استعادةِ مستوى الناتجِ المحليِّ الإجمالي لفترةِ ما قبل الحرب، قبل حلولِ عام 2080.
وللتعليقِ على ذلك، يقولُ المحلّلُ السياسيُّ، فراس رضوان أوغلو، لصحيفةِ “الثورة السورية”: إن “تعليقَ العقوباتِ هو تكتيكٌ مرحليٌّ بالنسبةِ للكونغرسِ الأميركيِّ كإجراءاتٍ قانونيةٍ، ولكنْ كدلالاتٍ سياسيةٍ وواقعٍ سياسيٍّ لا يُعَدّ استراتيجيةً جديدةً مختلفةً تماماً عمّا كانتْ سابقاً”.
وأضاف: “لذلك هناك اختلافٌ بين الأداءِ التكتيكيِّ بالنسبةِ لرفعِ العقوباتِ ستةَ أشهرٍ وستةَ أشهر، وبين هدفِ رفعِ العقوباتِ بالنسبةِ لسوريا. لذلك فإنّه يُعَدّ تحوّلاً استراتيجياً كاملاً ومهماً جداً، وهذا يعني أن الأثرَ الاقتصاديَّ بالنسبةِ لسوريا سيكونُ كبيراً جداً في حالِ رفعِ العقوباتِ بشكلٍ شاملٍ”.
من جانبِه، يقولُ المحلّلُ السياسيُّ، مصطفى النعيمي، للصحيفة: إن الدلالاتِ السياسيةَ لرفعِ العقوباتِ ترتبطُ بأهدافِ الدولِ التي فرضتْها وبالتغيّراتِ على الساحةِ السوريةِ والإقليميةِ والدوليةِ، موضحاً أن أبرزَ هذه الدلالاتِ تشملُ: التغييرَ في سياسةِ الضغط، والاعترافَ الضمنيَّ بالواقعِ الجديد، وتخفيفَ الأزمةِ الإنسانية، وتعزيزَ الدورِ الإقليميِّ والدوليِّ، كما قد تتضمّنُ الدلالاتَ المساومةَ السياسيةَ.
ويوضحُ المحلّلُ النعيمي، أن القرارَ بشأنِ ما إذا كان رفعُ العقوباتِ يُعَدّ تحوّلاً تكتيكياً أم استراتيجياً يعتمدُ على شموليةِ القرارِ ومدّتِه وأهدافِه النهائيةِ وارتباطِه بالظروف، معرباً عن اعتقادِه أنه في حالاتِ التخفيفِ الجزئيِّ والمؤقت (مثل تخفيفِ العقوباتِ لأسبابٍ إنسانية)، يُعَدّ القرارُ تكتيكياً.
أمّا الرفعُ الكليُّ للعقوباتِ عن مؤسساتِ الدولةِ الرئيسية (كالبنكِ المركزيِّ وقطاعِ النفط) وربطُه بتسويةٍ سياسيةٍ شاملة، فيُعتبرُ تحوّلاً استراتيجياً؛ لأنه يغيّرُ بشكلٍ جوهريٍّ آلياتَ التعاملِ الدوليِّ مع سوريا ويهدفُ إلى تغييرِ المشهدِ الاقتصاديِّ والسياسيِّ على المدى الطويل.
الأثرُ الاقتصاديُّ المتوقعُ
وحولَ الأثرِ الاقتصاديِّ المتوقعِ لتعليقِ العقوباتِ وانعكاساتِه على اقتصادِ البلادِ وعمليةِ إعادةِ الإعمار، يقولُ الباحثُ النعيمي، إن رفعَ العقوباتِ يمثّلُ بوابةً حقيقيةً لإنعاشِ الاقتصادِ المنهكِ والمساهمةِ في بناءِ الاستقرارِ المتدرّج، رغمَ أن نجاحَه يظلُّ مرهونًا بعواملَ داخليةٍ وخارجيةٍ.
ويتابعُ أن أهميةَ رفعِ العقوباتِ ترتكزُ على تأثيرِها المباشرِ في الاقتصادِ والمجتمع، وتشملُ إنعاشَ الاقتصادِ واستعادةَ القطاعاتِ الإستراتيجية، مثل تدفّقِ التمويلِ والاستثمار؛ حيثُ يتيحُ رفعُ العقوباتِ، خاصةً عن البنكِ المركزيِّ والقطاعِ المصرفيِّ، استعادةَ الأصولِ المجمّدةِ والتواصلَ مع النظامِ الماليِّ العالمي (SWIFT)، ما يفتحُ البابَ أمام تدفّقِ الاستثماراتِ الأجنبيةِ ورؤوسِ الأموالِ اللازمةِ لعملياتِ إعادةِ الإعمار.
ويضيفُ أن ذلك يتضمّنُ أيضاً تنشيطَ الطاقةِ والنقل، وتحسّنَ المعيشةِ وسعرَ صرفِ الليرةِ السورية، وتسهيلَ الوصولِ الإنسانيِّ وإعادةَ الإعمار، وخاصةً في البنيةِ التحتيةِ المدمّرة.
ويشيرُ أيضاً إلى أن رفعَ العقوباتِ هو الحلقةُ الأولى والشرطُ الضروريُّ لبدءِ عمليةٍ طويلةٍ ومعقّدةٍ لإعادةِ الإعمارِ والاستقرار، لكنها تحتاجُ إلى إجراءاتٍ داخليةٍ مُصاحبةٍ لضمانِ استدامتِها.
ورجّحَ المحلّلُ النعيمي، أن نشهدَ ارتداداتٍ إيجابيةً ومباشرةً لرفعِ العقوباتِ عن سوريا في مجالِ التعافي المبكر، ولاسيما أن رفعَها يُعَدّ شرطاً أساسيًا لنجاحِ هذا التعافي، معدّداً ذلك بتسهيلِ تدفّقِ المساعداتِ والتمويلِ بعد تطمينِ المؤسساتِ الماليةِ والمنظماتِ الإنسانيةِ والمانحين، ودعمِ سبلِ العيشِ والإنتاج، وفتحِ بابِ التنميةِ طويلةِ الأمد بعد تحديدِ الأولوياتِ وجذبِ التمويلِ الإقليميِّ والدوليِّ.
“الكونغرسُ” واستجابتُه لدعوةِ الإدارةِ
أعلنتْ الخارجيةُ الأميركيةُ في الأولِ من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري دعمَها إلغاءَ العقوباتِ المفروضةِ على سوريا بموجبِ “قانونِ قيصر”، من خلالِ مشروعِ قانونِ تفويضِ الدفاعِ الوطنيِّ الذي يناقشه المشرّعونَ الأميركيونَ حالياً ضمنَ جدولِ أعمالِ الكونغرس.
وأشارتْ متحدثةٌ من الوزارةِ في بيانٍ خطّيٍّ إلى أن رفعَ العقوباتِ عن سوريا سيمنحُ الشعبَ السوريَّ فرصةً لمستقبلٍ أفضل.
ورغمَ الإعفاءاتِ واسعةِ النطاق، غيرَ أنه يتعيّنُ إلغاءُ الإجراءاتِ الأشدِّ صرامةً، المعروفةِ باسمِ عقوباتِ قيصر، عبرَ الكونغرسِ الأميركيِّ الذي لا يزالُ منقسمًا بشأنِ المسألة، لكن يُتوقّعُ أن يتخذَ قرارًا قبلَ نهايةِ العام.
ومن أجلِ ذلك، التقى الرئيسُ الشرع خلالَ زيارتِه الولاياتِ المتحدةَ مشرّعينَ أميركيينَ في لجنةِ العلاقاتِ الخارجيةِ بمجلسِ الشيوخِ الأميركيِّ الاثنينَ الماضي، حيثُ جدّدَ رئيسُ اللجنةِ السيناتور جيم ريش والعضوُ البارزُ في اللجنةِ السيناتور جين شاهين دعمَهما رفعَ العقوباتِ المفروضةِ على سوريا بموجبِ “قانونِ قيصر”.
وأشارَ ريش وشاهين في بيانٍ إلى أنه بينما يمضي الكونغرسُ قدمًا لإقرارِ التشريعِ الذي يحظى بتأييدِ الحزبينِ الديمقراطيِّ والجمهوريِّ، والذي من شأنِه أن يُلغي عقوباتِ قيصر المفروضةَ على سوريا بالكامل، فإن العالمَ يراقبُ نهجَ سوريا داخليًا ومع جيرانِها، وفي حال واصلتْ مسارَها الحالي، فلا شكَّ لدينا في أن صانعي السياساتِ والمستثمرينَ على حدٍّ سواءٍ سيثقونَ بمستقبلِ سوريا.
وحولَ ذلك، يقولُ المحلّلُ السياسيُّ رضوان أوغلو: “أنا أظنُّ أن الأمورَ تسيرُ بخير. صحيحٌ أن الأداءَ التكتيكيَّ ستةُ أشهرٍ مرحليٌّ فقط، وذلك لتوجّسِ المخاوفِ لدى البعضِ في الدولةِ العميقةِ والأمورِ الأخرى داخلَ الولاياتِ المتحدة، ولكن ذهابَ الرئيسِ الشرع ومقابلتَه الرئيسَ ترامب وبعضَ الأعضاءِ المشرّعينَ في الكونغرس هي دلالاتٌ مهمةٌ جدًا”.
من ناحيتِه، يرى المحلّلُ النعيمي، أن هذا السؤالَ يتعلّقُ بالتوقّعاتِ المستقبلية، والتي يصعبُ الجزمُ بها بشكلٍ مطلق، خاصةً في سياقٍ سياسيٍّ معقّدٍ كسوريا، مبيّناً أنه، ومع ذلك، تشيرُ التطوّراتُ الأخيرةُ والتصريحاتُ الرسميةُ إلى احتماليةٍ كبيرةٍ لرفعِ العقوباتِ بشكلٍ شاملٍ أو شبهِ كاملٍ مطلعَ العامِ القادم 2026، في ظلِّ التحوّلاتِ السياسيةِ الأخيرة.
ويستندُ المحلّلُ في قولِه هذا إلى التصريحاتِ الصادرةِ عن الحكومةِ السوريةِ والقوى الدوليةِ المؤثّرة، والتي تشيرُ إلى تحوّلٍ استراتيجيٍّ في التعاملِ مع ملفِّ العقوبات، ومنها تصريحُ وزيرِ الخارجيةِ والمغتربينَ أسعد الشيباني قبلَ أيامٍ بأنَّ 2026 سيكونُ عامَ التنميةِ، وأنه لن تكونَ هناك عقوباتٌ على سوريا.
ويلفتُ أيضاً إلى تعليقِ الإدارةِ الأميركيةِ لقانونِ قيصر لمدةِ 180 يوماً، بعد لقاءِ “البيتِ الأبيض”، وأيضاً إلى قيامِ الاتحادِ الأوروبيِّ برفعِ العقوباتِ الاقتصاديةِ عن سوريا في أيار/مايو الماضي بعد تعليقِه في شباط/فبراير الماضي بعضَ العقوباتِ المفروضةِ في ظلِّ النظامِ المخلوع، والتي ترتبطُ بقطاعاتِ البنوكِ والطاقةِ والنقل.
كما قامتْ لندن بخطوةٍ مماثلةٍ عبرَ حذفِها في آذار/مارس الماضي 24 كياناً سورياً من قائمةِ العقوباتِ وإيقافِ تجميدِ أصولِها، ورفعِها أيضاً في نيسان/إبريل الماضي القيودَ عن بعضِ القطاعاتِ في سوريا، ومنها الخدماتُ الماليةُ وإنتاجُ الطاقةِ، للمساعدةِ في إعادةِ إعمارِ البلاد.
كما دعا المبعوثُ الأميركيُّ باراك في بيانٍ له، “الكونغرسَ” إلى اتخاذِ خطوةٍ تاريخيةٍ بالإلغاءِ الكاملِ لقانونِ قيصر، وقال: “لقد قطعنا شوطاً طويلًا، لكننا الآن بحاجةٍ إلى دفعةٍ أخيرةٍ قويةٍ لتمكينِ الحكومةِ السوريةِ الجديدةِ من إعادةِ تشغيلِ محركِها الاقتصادي، والسماحِ للشعبِ السوريِّ وجيرانِه الإقليميين ليس فقط بالبقاء، بل بالازدهار أيضاً”.
كيف ستتأثرُ دولُ الجوارِ بعودةِ سوريا الاقتصادية؟
أكّد الرئيسُ الشرع في مقابلةٍ مع قناةِ “الشرق”، على هامشِ مشاركتِه في قمةِ المناخ “COP30” بالبرازيل الأسبوعَ الماضي، أن سوريا تعملُ على إقامةِ علاقاتٍ جيدةٍ مع كلِّ دولِ العالم، مشيراً إلى أن رفعَ العقوباتِ عنها ودعمَها لاستعادةِ دورِها الإقليميِّ والعالميِّ يصبُّ في مصلحةِ الجميع، وأن تاريخاً جديداً للمنطقةِ بدأ مع ولادةِ سوريا الجديدة.
وخلال مشاركتِه في جلسةٍ حواريةٍ استثنائيةٍ ضمن أعمالِ مؤتمرِ “مبادرة مستقبل الاستثمار 2025” في الرياض أواخرَ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكّد الرئيسُ الشرع أن سوريا تشهدُ انطلاقةً جديدةً نحوَ الانفتاحِ والاستثمارِ بفضلِ دعمِ شركائِها الإقليميينَ والدوليينَ وشراكاتِها المتنامية، وشدّد على أن سوريا تشكّلُ ركناً أساسياً في استقرارِ المنطقة، وأن التجربةَ أثبتت أن غيابَ الاستقرارِ في سوريا انعكسَ سلباً على الأمنِ الإقليميِّ والدوليِّ.
كما قال وكيلُ وزارةِ الخزانةِ لشؤونِ الإرهابِ والاستخباراتِ الماليةِ الأميركية، جون هيرلي، لوكالةِ “الأناضول” في السابعِ من الشهرِ الجاري: “تمثّلُ سوريا فرصةً عظيمةً في مجالِ العلاقاتِ التجارية، وإذا استطعنا تشجيعَ الناسِ على الاستثمارِ فيها وإنعاشِ اقتصادِها، فسنوجدُ أملاً كبيراً في السلامِ هناك”، معرباً عن دعمِ بلادِه لدورِ تركيا ودولِ الخليجِ العربيِّ في إعادةِ إعمارِ سوريا.
وفي هذا الإطار، يؤكّدُ المحلّلُ السياسيُّ رضوان أوغلو أنه كلّما تحسّنتْ سوريا اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، كلّما كانت دولُ الجوارِ كلُّها، من تركيا إلى إسرائيل وحتى دولِ الخليجِ، بخير؛ لأن سوريا هي عقدةُ الربطِ والحلِّ في بلادِ الشام. وقال: “إذا تحسّنتْ سوريا تحسّنتْ بلادُ الشام ومعها تركيا، وإذا انتكستْ.. انتكستْ معها بلادُ الشام وتركيا”.
من ناحيتِه، يقولُ المحلّلُ النعيمي: إن إنهاءَ العزلِ الدوليِّ المفروضِ على سوريا يسمحُ لها بإعادةِ التموضعِ والتحوّلِ إلى ممرٍّ تجاريٍّ محوريٍّ بين دولِ الخليجِ وتركيا وأوروبا، إضافةً إلى أنه يشجّعُ دولاً أخرى على إعادةِ النظرِ في علاقاتِها والمساهمةِ في جهودِ الاستقرار.
وأشارَ إلى أنه يمكنُ لرفعِ العقوباتِ أن يساهمَ في بناءِ الاستقرارِ المتدرّجِ في سوريا، ولكن هذا الاستقرارَ سيكونُ مستمدّاً من التمكينِ الاقتصاديِّ أولاً، ثم التحوّلِ السياسيِّ ثانياً.
رمزيةُ زيارةِ الشرعِ لواشنطن
تحملُ زيارةُ الرئيسِ الشرع إلى واشنطن رمزيةً كبيرةً، وخاصةً أنها نقلتْ سوريا من ضفّةِ العزلةِ والمواجهةِ إلى ضفّةِ الدبلوماسيةِ والانفتاحِ والشراكةِ، بما يمهّدُ لازدهارِ البلادِ واستقرارِها.
وعن ذلك، يقولُ المحلّلُ السياسيُّ رضوان أوغلو: إن زيارةَ الرئيسِ الشرع للولاياتِ المتحدة لا تحملُ بُعداً رمزياً، وإنّما بُعداً استراتيجياً كبيراً، وخاصةً أن الولاياتَ المتحدةَ هي قائدةُ العالمِ حالياً، وهي القوةُ العظمى، وهي مفتاحُ حلولِ كثيرٍ من المشكلات.
ويضيف: “أعتقد أن الزيارةَ ليست رمزيةً. نعم، الرمزُ شيءٌ جيّد، لكنها كانت زيارةً سياسيةً إستراتيجيةً تكتيكيةً على مستوى عالٍ جداً، وهذا يُحسبُ للرئيسِ الشرع بشكلٍ ملفتٍ للنظر”.
كما اعتبرَ المحلّلُ السياسيُّ النعيمي أنه فورَ الانتهاءِ من رفعِ العقوباتِ الشاملة، “قيصر”، التي كانت تمثّلُ العائقَ الأكبر أمامَ تدفّقِ التمويلِ الدوليِّ والاستثماراتِ الضخمة، فإن من المتوقّع أن تبدأَ المرحلةَ الفعليةَ والكبرى لمشروعِ إعادةِ الإعمارِ في سوريا، مشيراً إلى أن لقاءاتِ الرئيسِ الشرع مع المديرةِ العامةِ لصندوقِ النقدِ الدوليِّ كريستالينا جورجييفا في واشنطن تُعدّ دليلاً قوياً على هذه التوجّهات.