الأسس المعرفية للمشاريع الفكرية

 

الملحق الثقافي:

 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، صدر كتاب جديد للأكاديمي الفلسطيني الكندي وائل حلاق تحت عنوان «إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبر الرحمن»، نقله إلى العربية عمرو عثمان. تناول الكاتب تجربة الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن من فكرة مفادها أن طه عبد الرحمن، كان حريصاً على فكرة أن يكون ما يقدمه قادراً على تغطية مجالات فكرية واسعة، وقريباً من تناول موضوعات مرتبطة بالمنطق والوجود والعقل والعنف، بالإضافة إلى المادية والعقيدة أيضاً.
لا يسعى حلاق في كتابه هذا إلى الإحاطة بأبعاد مشروع طه عبد الرحمن بصورة شاملة وكاملة، وإنما يسعى إلى مناقشة أطراف وأبعاد مُحددة تمهيداً لكشف ما يسميه بـ»الأعصاب المركزية» التي قدمت مشروعه بالصورة التي هو عليها حالياً.
ويرى حلاق أن مشروع المفكر المغربي ينطلق من الأسس المعرفية التي عبر بها معظم المثقفين المسلمين المعاصرين عن مشاريعهم الفكرية، لكنه يرفض بشكل منهجي أنماط التفكير التي هيمنت على المشهد الفكري الإسلامي منذ بداية القرن العشرين، بما فيها «القومية والماركسية والعلمانية والإسلام السياسي والليبرالية».
ويقول حلاق إن مشروع عبد الرحمن يرتبط بالقضايا نفسها التي استولت على اهتمامه الفكري خلال العقدين الماضيين، وكتب ضمنها كتابه «الشريعة: النظرية، الممارسة، والتحولات»، ثم «الدولة المستحيلة»، ثم «قصور الاستشراق».
حاول الكاتب تبسيط فكر طه وتقديمه إلى القراء الغربيين بالأساس، في محاولة للإجابة عن المشكلات الهائلة للحداثة الغربية. ووصف حلاق الخط الذي يمتد عبر كامل نسيجه الفلسفي بأنه الخيط الأخلاقي في جميع أبعاده واتجاهاته المتنوعة. ويرى أن مشروع طه عبد الرحمن الفكري هو أقوى شهادة على أن الأخلاق هي المجال المركزي للإسلام، ويعتبر أن مفهومه الجديد عن الإنسان العقلاني والروحي يعد نوعاً من الترياق لمرض الحداثة في الزمن المعاصر، وينتج إنساناً مختلفاً أخلاقياً في جوهره.
يركز طه عبد الرحمن من «الغطرسة الوجودية الحديثة» على قيم التواضع والامتنان المترابطة، ويتناول مسألة السيادة وحب السيطرة. ويشدد على الجمع بين الأخلاق والدين كأصل الأصول في مشروعه الفلسفي الأخلاقي.
وفي كتابه «سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية» يساهم طه عبد الرحمن في ما يعتبره «طلب أخلاقيات تنأى عن السطح الذي وقفت عنده الحداثة وتغوص في أعماق الحياة وأعماق الإنسان، فلا أعمق من حياة تمتد من عاجلها إلى آجلها، ولا أعمق من إنسان يتصل ظاهره بباطنه».
وفي تعقيبه الذي نشر مستقلاً في كتاب حلاق، اعتبر عبد الرحمن أنه أسس دعوى «الفصل بين واقع الحداثة وتطبيقاتها» على ثلاثة مبادئ «تجمع بين مقتضيات النظر ومقتضيات العمل»، وهي «مبدأ التقريب التداولي» الذي شرحه في كتابه «فقه الترجمة»، مشيراً إلى الحاجة «للتصرف في المنقول بما يوافق مقتضيات المجال التداولي للمتلقي». والثاني هو «مبدأ المنافسة الظرفية» الذي يقتضي مراعاة الظروف التي تحيط بالمتلقي، منتقداً «حالة السكرة بالحداثة» التي سادت في الثقافة العربية «كأنها الشريعة الجديدة التي لا يزيغ عنها إلا هالك»، مضيفاً «تعين علي إخراج القراء من هذه السكرة الحداثية التي استبدت بهم»، مميزاً بين مستويين اثنين في الحداثة ميز بهما بين «الصالح والطالح من مكتسباتها».
أما المبدأ الثالث فهو «توسيع نطاق التواصل الفكري» للتفاعل مع الآخر مفرقاً بين روح الحداثة أي «المعاني الموجهة للحداثة» وتطبيقها أي «المباني المجسدة للحداثة»، واستنبط عبد الرحمن من «واقع» الحداثة الغربية مفاهيم ستة تتحدد بها روحها، هي الاستقلال، والإبداع، والتعقيل، والتفصيل، والتوسع، والتعميم.
وناقش طه عبد الرحمن اعتراض وائل حلاق الأساسي على فكرته في الانفصال بين واقع الحداثة وروحها، مؤكداً أنه «لا غلو فيه ولا تكلف»، واعتبر أنه «فصل نسبي»، إذ لا واقع للحداثة بغير روح كما لا يوجد معنى بغير مبنى، وفي المقابل يجوز أن توجد روح الحداثة بغير واقعها، وهكذا فالانفصال المقصود هو «افتراق نسبي» فحسب.
واعتبر طه عبد الرحمن أن «النظرية الأخلاقية التي تقول بالانفصال بين واقع الحداثة وروحها، تقوم بها إمكانات فكرية وعملية أوسع من النظرية الأخلاقية التي تقول بالالتحام بين هذين الطرفين»، كما أنها تفتح الباب واسعاً أمام إيجاد تطبيقات أكثر أخلاقية لروح الحداثة من التطبيقات الغربية اللاأخلاقية لها.
وأشاد طه عبد الرحمن في تعقيبه على كتاب حلاق بجهد المؤلف في تتبع دقائق مشروعه، وقدرته على نقل أفكاره إلى الإنجليزية، بما في ذلك نقل مصطلحات عربية أصيلة.
يركز طه عبد الرحمن على أن للحداثة سمتين أساسيتين: الأولى أن كل التحولات  التي حصلت في المجتمع الغربي هي تحولات تراكمية، نقلت المجتمع من طور حضاري إلى طور آخر، أما السمة الثانية  التي تميز الحداثة الغربية فهي أنها تحولات داخلية أي أن الغرب هو الذي قام بها من ذاته وبمقتضيات مجتمعه وليست حداثة واردة عليه ولا مفروضة عليه. ليخلص إلى أن السمة التي تجمع بين التراكم والتلقائية هو الإبداع. فالخاصية الأساسية للحداثة أنها جملة الإبداعات التي جاء بها الإنسان الغربي.

التاريخ: الثلاثاء14-1-2020

رقم العدد : 982

آخر الأخبار
العلاقات السورية الروسية .. من الهمينة إلى الندية والشراكة  الصحة النفسية ركيزة الرفاه الإنساني  حملة "فسحة سلام" تختتم مرحلتها الأولى  بفيلم "إنفيكتوس"   قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي