ثورة أون لاين:
لم أجد حرجاً , أن أفاجأ بالدخول في بيت أمون المرشد , على ماسبق أن ذكرته , في أول تعارف فعليّ بين ابنها محمّد وبيننا, كرعاة أبقار في أرض ضيعتنا .
وما كان بما حسبته عربشة لكلب محمّد الأمّون في صدري , كأنه يعانقني من صفحتي عنقي معروشاً , مسترضياً أو معتذراً? بما بدا لي من ذلك الحين , أن الكلب , إذا ماوقف على آخر رجليه , فإنه يجي بطول الرّجل, ما كان طويلاً, كما أنا الآن , لا أزيد بطولي على كلب محمد الأمون واقفاً على الأرض يديه ورجليه!
باب البيت تدخل فيه الدابة بحملها , كما يقال . انفتح على سعته . كوكبة النساء اندفقت فيه . تملأ عمقه, على ما أسمع , كلمات التأهيل , وعبارات الترحيب!
أم حسن مزنة , كذلك على ما أسمع . تحلف على أم محمّد , أمّون المرشد , أن لن تذهب بدونها , هذه المرة , لزيارة النبيّ صالح , , كما كانت أمون المرشد صبيّة في بيت أهلها , لاتذهب لزيارة سيّدنا الخضر, في الطليعيّ , كلّ عيد فطر , إلا ورجل أم حسن مزنة, قدام رجلها . من يوم مارأت البيتين المتقابلين, لايفصل بين الضيعتين , غير هذا النهر الشتوي , يقطع قحصاً على رؤوس الحجارة! وأنا , على ما أسمع متغلغلاً , بين ذيول الفساطين الفضفاضة الطويلة. أم محمّد أمون قطعتها , مع أم حسن مزنة , لأسمع التصفيق , على إرسال ابنتها منيرة مكانها!
منيرة أمون المرشد, ياهوه ! أول اسم , منيرة , لصبية, في كل ضيع هذه المنطقة, لم يسمع بمثله , قبل ابنة الأفندي . كوكبة النساء التقت من حول منيرة الأمّون , يخايرن لها بين هذا الفسطان وذاك , من تحت هذا الفسطان وذاك منيرة الأمون, كأنه سراج يضيء من سقف البيت!
وأنا أقترب أكثر وأكثر. إذا بصوت ابنة عمتّي سعده, كأنها أبصرتني على ضوء سراج السقف لكن , خيراً , أن لم يكن الشيخ محمود الترسوسي ولا الشيخ محمود السعد فيق أهل الضيعة من نصف الليل , ولم يجي في باله , أن ينظر , إلى نجمة الصبح , إلا من زحلوطة بيت نافلة. فزحطت رجلاه لولا حلم الله , لسقط في وادي المرّاني . وجدت , أم لم توجد فيه روح !«
وأصوات أخر , اسمعها ترد :»ليش كلكم تحطونها بضهر الشيخ محمود الترسوسي? كلكم كنتم تقولون , أن نكون في هذه الجمعة , أول زوار يدخلون مقام النبي صالح , عسى على وجوهنا , أن نشاهد الماء ينبع , من عند رأس المقام!«
أول مافيه روح لكان أرجعك إلى أمك! وإذ بصوات أخرى تعقب:» وأين الشيخ محمود الترسوسي كان بيت أهل أمون المرشد, مقابلاً لبيت أم حسن مزنة, في هذه الناحية من الضيعتين, لا يفصل بينهما غير هذا الوادي الضيق, في كل عيد فطر تستعجل أم محمد, أمون المرشد, أن ترافقها, على ما أخبرتها مسبقاً أخدعيه, كما عانقني كلب محمد الأمون مون المرشد, الدابة, كما يقال تدخل بحمله, بين الفساطين الفضفاضة على القامات الطويلة. الترحيب, التاهيل والتسهيل, بألسنة أعرض, بعبارات أطول. لم تسمع دعوة إلى الجلوس. بل أم حسن مزنة, كما كانت أمون المرشد, في بيت أهلها, لا تذهب كل عيد فطر, لزيارة مقام سيدنا الخضر, في الطليعي, إلا برفقة أم حسن مزنة السماعيل, كذلك, هذه المرة, تلح أن لا تذهب إلى مقام النبي صالح, بدون أم محمد أمون. وكانت, كما أسمع, قد أعلمتها بهذه الزيارة, قبل أيام!
وإذ, كما أسمع, اعتذار أم محمد أمون لضرورات لم تكن متوقعة… فقد رضيت أم حسن على عتمة الليل, لم يكن لي بد, من اللحاق بكوكبة النساء, قيادة أم حسن مزنة, على الميمنة, متجنبا سرب الرجال, يتقدمهم, على الميسرة, الشيخ محمود الترسوسي, ليس لأن قامات النساء بالفساطين الفضفاضة الطويلة, قد تبديهن للعين تحت الليل, أكثر مما تبدو قامات الرجال, بالكوفية والعقال, والساكو والشروال, بل لأن النساء لا يكفن عن الحكي, فألحق بأصواتهن . بينما الرجال, لايدل على سيرهم, إلا ارتطام أحذيتهم, بحجارة درب الضهر الأسود من عتمة الليل, ما يضطرني للسير في أعقابهم, فأخشى الشيخ محمود السعد, أن يعلم بي. فيردني, كيفما كان, إلى بيت أمي!
وهنا. الشيخ محمود الترسوسي, هو نفسه الشيخ محمود السعد, أول ما سمعت اسمه في الضيعة, وعيني رأت شخصه في دروب حاراتها: طربوش اسطنبولي قصير, سكسوكة, قد لا تلمس برأسي الباهم والسبابة. حنكه, في وجهه الرقيق, مخفّس, يشرق شفته السفلى داخل فمه, إن هو تكلم كالعادة ما كان راضياً أو غاضباً. يكشنا نحن الأولاد. نركض خلفه, في عرس أو عيد. نتجقم بحكيه الشمالي. وخاصة إذا ما بلغ به الضيق, أن يشتمنا في أمهاتنا بلهجته الشمالية. ويسبنا بآبائنا بلهجة الضيعة!
يوسف المحمود