الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
إن أهم ما يميز الإنسان عن سائر الكائنات الحية هو ما يقوم به من تأملات، وما يطرحه من أسئلة، وإن تخلى الإنسان عن هذه التأملات، والأسئلة فإنه بذلك سيتخلى عن كونه إنساناً؛ فكل إنجاز علمي ابتدأ بسؤال. وكما أن للسؤال عظيم الأهمية في حياة الإنسان، فإن التحقق من الجواب لا يقل أهمية عن السؤال نفسه. فالحقائق والوقائع لا تتحقق وفق أهواء الناس ولا آرائهم ومعتقداتهم، وإنما هي أشياء مستقلة علينا فهمها بشكل موضوعي.
فالذي يميز المنهج العلمي، والطريقة التي يتّبعها العلم في إصدار أحكامه، عن الفلسفة والدين ومختلف حقول المعرفة الإنسانية الأخرى، أنه – أي المنهج العلمي – يعبر بنا إلى حقائق مستقلة عن ذواتنا وآرائنا.
وللإبحار أكثر في هذا الموضوع، والتعرف على أبرز مرتكزاته وأفكاره، فقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن سلسلة “إبداعات شابة” كتاب (جذور المعرفة… مقدمة في العلم والتفكير العلمي)، تأليف: حسين صالح السنيح.
في المنطق والعلم
يقع هذا الكتاب في خمسة فصول، ويقدم في فصله الأول شرحاً لبعض الجوانب من المنطق، مبيناً أن علم المنطق هو ذلك العلم الذي يعلّم الإنسان القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنه إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم، والعلم هو حضور صورة الشيء عند العالم، ويكون عادة على قسمين: (العلم الحضوري، والعلم الحصولي)، ثم ينتقل مؤلف الكتاب في هذا الفصل إلى عرض تمهيدات للتفكير العلمي، موضحاً بعض المفاهيم المهمة التي ستساعد في فهم المنهج التجريبي.
في الفصل الثاني يورد مؤلف الكتاب شرحاً للمنهج التجريبي مبيناً أن ثمة جملة من خصائص التفكير العلمي يمكن أن نتخذها مقياساً نقيس بها مدى علمية أي نوع من التفكير الذي يقوم به الإنسان، وهي: (التراكمية – التنظيم – البحث عن الأسباب – الشمولية – الدقة – الموضوعية)، ثم يعرض لمكونات تكوين النظرة العلمية التي لخصها برتراند راسل في ثلاثة مكونات ذات أهمية خاصة، ويعدد العقبات في طريق التفكير العلمي التي لا يزال المجتمع الإنساني يعاني منها، وتشدّه نحو الروح البدائية التي كان يحيا بها في العصور الحجرية.
النظرية العلمية والعلم الزائف
يتحدث مؤلف الكتاب في الفصل الثالث عن النظرية العلمية، ويعرض بعض تعريفاتها، مبيناً أنها اصطلاح علمي يهدف إلى تفسير الحقائق والمبادئ العامة، أو هي كما عرّفها كارل بوبر: “الشبكة التي نرميها لنلتقط فيها العالم، لنعقله، ونفسره، ونتحكم به، ونبذل قصارى جهدنا لتضييق زردات الشبكة باستمرار”. فهي إذاً محاولة جادة لتفسير جملة من الظواهر المتعلقة بالمجال عينه تتم عبر انتهاج الأساليب التي يقرر المنهج العلمي ملاءمتها ذلك المجال.
ويتناول الفصل الرابع موضوعة العلم الزائف وذلك عبر نقد بعض أمثلته، والتمييز بين ما هو علم وما هو علم زائف عن طريق تطبيق المنهج العلمي، وإخضاع تلك الادعاءات له. ويخلص المؤلف في ختام هذا الفصل إلى نتيجة مفادها أنه، وعلى الرغم من بيان الحقيقة حول الخرافات الغريبة، إلا أن البعض ما زال يرى في هذا الزيف ألغازاً محيرة، ويرفض التفسيرات الواضحة الواقعية الصريحة. فمن الواضح أن هذه الخرافات غير قابلة للدحض أو التكذيب، وعليه فإنها ستبقى حية في ذهن من أراد تصديقها فحسب.
اقتباسات في العلم والمجتمع
في الفصل الخامس والأخير يقدم المؤلف قراءة في العلم وعلاقته بالمجتمع بشكل عام من حيث تأثيره وتأثره بالحياة والأيديولوجيا والدين، ويرى في الختام أن الإنسان دائماً ما يعمى عن الحقائق الواضحة لأسباب نفسية وعَقَدية ودينية وما إلى ذلك. وأسوأ ما في ذلك هو تقديمه لمعتقداته الشخصية والاجتماعية على الحقائق الواضحة، وخيانة عقله وضميره في سبيل نيل رضا محيطه الاجتماعي. فالعلم وإن كان يواجه بعض التحديات في تفسير بعض الظواهر، فهذا لا يعني أن ما لم يستطع تفسيره اليوم مرده إلى قوى خارقة أو كائنات فضائية أو سوى ذلك، فعلى مر الزمان كانت تُنسب ظواهر غريبة إلى خوارق فوق طبيعية لكن كلما خضعت هذه الظواهر للعلم التجريبي تبين أنها محض هراء فكري يعبر عن دماغ ذي خيال واسع.
يقع هذا الكتاب في ٢٤٧ صفحة من القطع المتوسط.
التاريخ: االاثنين27-1-2020
رقم العدد : 984