ثورة أون لاين- زينب العيسى:
هم رجال سياسة وصانعو تاريخ رسموا خارطة وطن بحكمة وحرص على بناء بلد قاوم الاحتلال الفرنسي آنذاك.. فطالما حاولت فرنسا إجهاض أيّ محاولة ولادة حياة سياسية وأحزاب تمثل الشعب وتقود نضاله لتحقيق الاستقلال وخروج المستعمر، فكانت تلك الفئة البارزة من الوطنيين الذين وضعوا بصمتهم السياسية على تاريخ سورية الديمقراطي.
ما إن اندحر الاحتلال العثماني عن بلادنا، حتى قامت المؤسسة التشريعية بشق طريقها باسم جماهير الشعب، ولكنّ فرنسا وبريطانيا اقتسمتا بلاد الشام بموجب اتفاقية سايكس- بيكو، فهاجمت الجيوش الفرنسية لبنان وسورية، ودخلت دمشق بعد معركة ميسلون في 14 تموز 1920، وبالطبع تم إجهاض تلك التجربة التشريعية الأولى.
وبدأ المشهد التاريخي لمقاومة الشعب العربي السوري للاستعمار الفرنسي، فاندلعت الثورات الشعبية في كل أنحاء سورية، ولقد لمعت أسماء عديدة في البرلمان السوري والتي كان لها تضحياتها وبصماتها النضالية ضد المستعمر حيث اختير هاشم الأتاسي رئيساً للكتلة الوطنية عند تأسيسها عام 1928 وحتى انتخابه رئيساً عام 1936، وتألف مجلس الكتلة الوطنية من السادة: (هاشم الأتاسي، الشيخ أحمد بن زعل باشا الرفاعي، سعد الله الجابري، عبد الرحمن الكيالي، لطفي الحفار، جميل مردم بك، شكري القوتلي، الشيخ أحمد فاضل الكيالي، نسيب البكري، إبراهيم هنانو، الشيخ محمد خير بيك الحريري، سلطان باشا الأطرش، فارس الخوري، صالح العلي، نجيب البرازي، فخري البارودي، محمد الأشمر ).
أسماء من البرلمان:
كان فارس الخوري السياسي والمفكر الوطني السوري ومعه عبد الرحمن الشهبندر وعدد من الوطنيين من مؤسسي حزب الشعب الذي ولد رداً على استبداد الاحتلال الفرنسي، وعند قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 اعتقل فارس الخوري وآخرون ونفوا إلى معتقل أرواد.
في عام 1926 نفى الفرنسيون فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة “الداماد” أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.
شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المقاومة ضد الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة قاربت العشرين عاماً.
وعلى أثر الإضراب الستيني الذي عم سورية عام 1936 للمطالبة بإلغاء الانتداب الفرنسي تم الاتفاق على عقد اتفاق بين سورية وفرنسا، وقام وفد تفاوضي بزيارة باريس، فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد ونائباً لرئيسه.
انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، وفي عام 1945 ترأس فارس الخوري الوفد السوري الذي كُلّف ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سورية أمام منظمة الأمم المتحدة، التي تم تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك الخوري بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة نيابة عن سورية كعضو مؤسس.
ومن أحد المواقف المشهورة له كما تذكر تنقل العديد من الوثائق أنه دخل إلى الأمم المتحدة حديثة المنشأ، بطربوشه الأحمر وبزته البيضاء الأنيقة، قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق، واتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا. بدأ السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم المتحدة بدون إخفاء دهشتهم من جلوس ‘فارس بيك’ المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي، تاركا المقعد المخصص لسورية فارغا. دخل المندوب الفرنسي، ووجد فارس بك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة، فتوجه إليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له إلى مكان وجود مقعد سورية مستدلا عليه بعلم سورية، ولكن فارس بيك لم يحرك ساكنا، بل بقي ينظر إلى ساعته: دقيقة، اثنتان، خمس دقائق.
استمر المندوب الفرنسي في محاولة إقناع فارس بيك بأن الكرسي المخصص له في الجهة الأخرى ولكن فارس بيك استمر بالتحديق إلى ساعته وبدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاد واستخدم عبارات لاذعة ولكن فارس بيك استمر بالتحديق بساعته.
واهتاج المندوب الفرنسي حينها، وحاول الاعتداء على فارس الخوري، وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح ووضع ساعته في جيبه، ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه وقال للمندوب الفرنسي: سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا وحنقا، سورية استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها أن تستقل.
وفي هذه الجلسة نالت سورية استقلالها، وفي مثل هذا اليوم من عام 1946، تم جلاء آخر جندي فرنسي عن سورية.
وأيضاً من ضمن تلك المواقف موقفه بشأن فلسطين حيث صرح “بأن قضية فلسطين لا تُحل في أروقة مجلس الأمن ولكنها تُحل على ثرى فلسطين المحتلة “.
ومن شخصيات البرلمان السوري أيضا سعد الله الجابري، المناضل الذي عرف بجرأته في مواجهة الفرنسيين، فقد اعتقل في سجن أرواد مدة من الزمن مع هاشم الأتاسي وعدد من الوطنيين. ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلة جديدة من النضال ضد المحتل الفرنسي.
كان الجابري وعدد من الوطنيين يعقدون الاجتماعات ويرفعون الاحتجاجات والمذكرات لجمعية الأمم يشكون فيها الفرنسيين، وحين أعلنت السلطة الفرنسية استعدادها لإقامة حكم دستوري في البلاد، كان الوطنيون قد قرروا في مؤتمرهم الدخول في الانتخابات، ولما اُنتخب إبراهيم هنانو والجابري لأول مجلس تأسيسي رأى الفرنسيون أن هذا المجلس لا يمكن أن يخدم مصالحهم، لذا عمدوا إلى إلغائه، فعاد الوطنيون إلى النضال وقامت المظاهرات والاحتجاجات واعتقل الجابري من جديد، وبعدما أفرج عنه.. تنادى الوطنيون لوضع ميثاق الكتلة الوطنية ونظامها الأساسي فكان هاشم الأتاسي رئيساً وإبراهيم هنانو وسعد الله الجابري نائبين للرئيس.
لما رفضت الكتلة الوطنية معاهدة عام 1933، قامت المظاهرات في جميع أنحاء سورية وجرت اعتقالات للوطنيين وكان من بينهم سعد الله الجابري حيث صدر عليه حكم بالسجن ثمانية أشهر.
اشتد الطغيان الفرنسي في سورية، وأُغلقت مكاتب الكتلة الوطنية وعمت الاعتقالات رجال حلب ودمشق وباقي المدن، واشتد الذعر وأضربت جميع المدن السورية، وأُلقي القبض مجدداً على الجابري ونفي إلى جزيرة (عين ديوار)، واستدعى الفرنسيون الوطنيين، واتفقوا معهم على أن يرسلوا وفداً يمثل وطنيي البلاد إلى فرنسا للتفاوض، فكان الجابري عضواً في هذا الوفد، فصدر عفو عام عن السوريين وأُفرج عن الوطنيين وتمت معاهدة عام 1936م.
هناك الكثير من الشخصيات الوطنية التي كانت مصدر فخر للبرلمان، وكان لها دور كبير ومؤثر في صناعة تاريخ سورية السياسي، ما يشير إلى أن البرلمان بما يضمه من أحزاب وشخصيات وطنية مؤثرة كان له الدور الأكبر في الدفاع عن سيادة واستقلال سورية، وما نشهده اليوم من استحقاق انتخابي في مجلس الشعب يحمل كل مواطن مسؤولية كبيرة في انتخاب أعضاء قادرين على المساهمة في الدفاع عن سورية وطرد المحتل الأميركي والتركي والإرهاب من كل أراضيها، مثلما تم طرد المحتل الفرنسي وغيره من الغزاة الطامعين.