الثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
في أوقاتِ الحرب يشعر الإنسان بالضجر، وبتيهٍ وخوفٍ يمنعانه من التفكير بما يخفف قلقه وإحساسه الدائم بالخطر.. يشعر بأنه ضحية واقعٍ مرعب فُرض عليه رغماً عنه، وبأن الضغوطات التي تحيط به هي سبب وقوعه أسير هواجسه أو خوفه أو انفعالاته أو حتى النزوات التي تفترسه.
يشعر بما يقوده إلى الهاوية ولاسيما إن كان يفتقد الإرادة التي ترتقي بعقله ووعيه، وهو ما يحتاج إلى صاحب حكمة يرشده إلى مكمن القوة لديه، وإلى كيفية استخدامها لإخماد اشتعالات حياته وواقعه..
إنه ما فعلته “سيمون دو بوفوار”.. الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية التي دعت في روايتها “دماء الآخرين” إلى “توسيع مساحة الفرد الذي يعيش داخل الحصار”.
دعت إلى ذلك في رواية كتبتها عام 1945 وتتناول فيها خيارات الشباب المقاومة والمناضلة وحتى الخائنة خلال الحرب العالمية الثانية.. حرب الإنسان مع الآخر ومع ذاته وضميره، ومع كلِّ ما جعلها تخاطب الإنسانية الشاملة:
“الحرب ليست على مقياس البشر، وإن اندلعت يوماً، فلن تعود هنالك أهمية لأي أمر، ولا حتّى الحياة أو الموت .. “.
بهذا خاطبت الإنسانية التي طالبتها بأن تقاوم الحرب وبشاعتها، وبوعي ومنطق وحدهما من يمكّنا الإنسان من مواجهة اليأس والضياع والحياة الغارقة في عدميتها. فعلت ذلك، عبر تبيان انعكاسات الحرب على الفرد والمجتمع والنفس البشرية، وعلى من يضحون بأقرب الناس إليهم، لأجل ما يعتبرونه مبادئ يتساءلون ولو سراً إن كانت تستحق كلّ هذه التضحية:
“هل تستحق مبادئنا العليا التضحية بحياتنا أو حياة من نحب من أجلها”؟.
يتساءلون عن ذلك بلسان “بوفوار” التي لأنها لا تؤمن بالحرب، ولا تجد لها أي مبررٍ أو سبب، تكون من يجيب أيضاً، وبهدف التوعية والدور الذي تقول فيه، ويفترض أن يكون دور كل مختص بالثقافة والفكر والأدب:
“إلى جانب ميل المرء إلى تأكيد نفسه كشخص، هناك ميل إلى الهروب من حريته وتحويل نفسه إلى غرض أو متاع، لأن المرء السلبي العائش في الضياع، يصبح فريسة لإرادة الآخرين، عاجزاً عن إغناء ذاته، محروماً من كل القيم”.
هذا ماتريده من الإنسان في وقت الحرب التي عليه أن يغلبها وينتصر فيها على ألدّ أعدائه.. على عواطفه ونوازعه، ثم على تخبطات محيطه ومجتمعه.
لاشك أنها بصيرة المثقف المتحرر من صراعاته وتصادم تصوراته، ومن انقياده أو حياده أو عمالته.. المتحرر من كلِّ ذلك في ظل حربٍ وإن ألقت بنيرانها الكثيفة على آرائه وأفكاره، إلا أنها لايمكن أن تؤثر على مبادئه وقناعته:
“قوة المبادئ التي تخلق القيمة العليا للإنسان، هي القوة التي يملكها ويجتاز بها رحلة المعرفة المطلقة”..
التالي