الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تتصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، بدءاً من إغلاق القنصليتين الأمريكية والصينية في كلا البلدين، وفرض العقوبات الأمريكية الجديدة، بالإضافة إلى ما لا يقل عن ثلاث مجموعات لحاملات الطائرات الأمريكية التي تجوب البحار حول الصين.
إنّ الولايات المتحدة هي التي بدأت التصعيد في العلاقات الأمريكية الصينية، في الوقت الذي كانت فيه ردود الصين حذرة ومتناسبة، حيث طلب المسؤولون الصينيون مثل وزير الخارجية “وانغ يي” علناً من الولايات المتحدة التراجع عن سياستها العدائية، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة للدبلوماسية.
إنّ معظم اتهامات الولايات المتحدة بشأن الصين قديمة العهد، بدءاً من معاملة الأقلية الأويغورية والنزاعات حول الجزر والحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي، إلى تلك المتعلقة بممارسات تجارية غير عادلة، بالإضافة إلى دعم الاحتجاجات في هونغ كونغ. ولكن السؤال الهام هنا “لماذا الآن؟” وفي هذا التوقيت بالذات؟ يبدو الجواب واضحاً ألا وهو ” اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية”.
فحسب ما قال داني راسل، الذي كان كبير مستشاري أوباما في شرق آسيا في مجلس الأمن القومي ثم في وزارة الخارجية، لإذاعة “بي بي سي”: إنّ التوترات الجديدة مع الصين هي في جزء منها محاولة لتحويل الانتباه عن استجابة ترامب الفاشلة على وباء كوفيد- 19 الأمر الذي أدّى إلى انتشاره بشكل كبير في معظم المدن الأمريكية.
كما أن المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن يدخل في المعركة”ضد الصين” جنباً إلى جنب مع ترامب ووزير الخارجية بومبيو، وهذا بدوره يشكّل خطراّ على كلا الجانبين.
ولكن وبغضّ النظر عن الانتخابات، يبدو أنّ هناك قوتين أساسيتين تلعبان دوراً رئيسياً في التصعيد الحالي للتوترات، أحدهما اقتصادي والآخر عسكري، فعلى الصعيد الاقتصادي، أخرجت المعجزة الاقتصادية في الصين مئات الملايين من سكانها من براثن الفقر، وحتى وقت قريب كانت الشركات الغربية سعيدة لتحقيق استفادة كبيرة من مجموعتها الضخمة من العمالة الرخيصة، وحماية البيئة، ونمو السوق الاستهلاكية. وقد رحّب القادة الغربيون عندها بالصين للانضمام إلى ناديهم الذي يتكون من مجموعة من الدول الغنية والقوية التي لايهمها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للصين.
إذن ما الذي تغيّر؟. إنّ شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل Apple ، والتي كانت في يوم من الأيام سعيدة للغاية بتوظيف وتدريب المقاولين والمهندسين الصينيين والاستعانة بهم لتصنيع منتجاتها، تواجه الآن مشكلة حقيقية في المهارات التي اكتسبها الصينيون في المجال التكنولوجي. فقد أصبح معروفاً أن الشركات الصينية والعمال ذوي المهارات العالية لهم الدور الكبير في أحدث التطورات التكنولوجية في العالم.
كما تملك الصين أيضاً استثمارات في البنية التحتية في جميع أنحاء العالم. وفي آذار 2020 انضمت 138 دولة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، وهي خطة ضخمة لربط آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر الشبكات البرية والبحرية، وفي حال نجاحها سيتم تعزيز التأثير الدولي للصين، في مقابل فشل الولايات المتحدة في الاستجابة لجائحة كوفيد-19.
أمّا على الصعيد العسكري، فقد حاولت كل من إدارتي أوباما وترامب “التمحور حول آسيا” لمواجهة الصين، غير مكترثتين بفشل وتعثر الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى عدم اكتراثهما بالاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها والتي عملت على تبرير الإنفاق العسكري القياسي لما يقرب من 20 عاماً. وهنا يتوجّب على المجّمع الصناعي العسكري الأمريكي العثور على أعداء أكبر لتبرير استمرار وجوده وتكاليف خرق الميزانية. إن شركة” لوكهيد مارتن” ليست مستعدة للتحول من بناء طائرات حربية بمليارات الدولارات بعقود زائدة التكلفة إلى صنع توربينات الرياح والألواح الشمسية.
و بناءً عليه فروسيا والصين، هما الأهداف الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة أن تجدها لتبرير ضخامة ميزانيتها العسكرية والتي تبلغ 740 مليار دولار و 800 قاعدة عسكرية خارجية. وبالمقابل فقد وسعت الدولتان، روسيا والصين، ميزانيتهما العسكرية المتواضعة بعد عام 2011 ، عندما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها باختلاق ما يسمى ” الربيع العربي” لشن حروب بالوكالة خاصة في ليبيا وسورية. ففي عام 2019، كانت الميزانية العسكرية للصين فقط 261 مليار دولار مقارنة ب 732 مليار دولار أمريكي للميزانية العسكرية الأمريكية وفقاً لـ SIPRI. ولاتزال الولايات المتحدة تنفق على جيشها أكثر ما تنفقه أكبر عشر قوى عسكرية مجتمعة، بما في ذلك روسيا والصين.
إن القوات العسكرية الروسية والصينية دفاعية بالكامل تقريباً، مع التركيز على أنظمة الصواريخ المتطورة والفعّالة المضادة للسفن والطائرات. كما لم تستثمر أي من روسيا أو الصين الناقلات للإبحار في البحار السبعة أو استخدام القوات الاستطلاعية كما تفعل الولايات المتحدة لمهاجمة أو غزو الدول على الجانب الآخر من الكوكب.
لكن بالوقت نفسه لديهم القوات والأسلحة التي يحتاجونها للدفاع عن أنفسهم وشعبهم من أي هجوم أمريكي، فالدولتان هما قوتان نوويتان، الأمر الذي يجعل الحرب الكبرى ضد أي منهما عملاً بالغ الخطورة لا يمكن أن يواجهه الجيش الأمريكي في أي مكان منذ الحرب العالمية الثانية.
كما أنّه من الواضح أن كلا من الصين وروسيا جادتان بشكل كبير بشأن الدفاع عن أنفسهما، ولكن لا ينبغي لنا أن نسيء تفسير ذلك على أنه حماس لسباق تسلح جديد أو علامة على نيات عدوانية من جانبهما. فالإمبريالية والعسكرة الأمريكية هي التي تقود التوترات المتصاعدة.
قبل عام واحد فقط، وقع مائة من رجال الأعمال والسياسيين والعسكريين الأمريكيين على رسالة عامة إلى الرئيس ترامب في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “الصين ليست عدواً”. وكتبوا في هذه الرسالة أن الصين ليست “عدواً اقتصادياً ولا تشكّل تهديداً وجودياً للأمن القومي الأمريكي”، وأنّ المعارضة الأمريكية “لن تمنع التوسع المستمر للاقتصاد الصيني، ولن تمنع أن يكون للشركات الصينية حصة أكبر في السوق العالمية ويجب أن يكون للصين دور أكبر في الشؤون العالمية”.
وخلصوا إلى النتيجة بأنّ “الجهود المبذولة للتعامل مع الصين كعدو وفصلها عن الاقتصاد العالمي ستضر بالدور والسمعة الدولية للولايات المتحدة وتقوض المصالح الاقتصادية لجميع الدول”، وأنه يمكن أن ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى عزل نفسها عن العالم بدلاً من عزل بكين”.
وهذا بالضبط ما يحدث هذه الأيام حيث تتعاون الحكومات في جميع أنحاء العالم مع الصين لوقف انتشار كوفيد-19، وتشارك الحلول مع جميع من يحتاج إليها. وبالتالي يجب على الولايات المتحدة التوقف عن محاولاتها لتقويض نفوذ الصين، ويجب عليها أن تتعاون مع الجميع على هذا الكوكب الصغير، مع الدول والمنظمات الدولية الأخرى لوقف انتشار هذا الوباء ويجب عليها أيضاً معالجة الانهيار الاقتصادي الناجم عن الفيروس التاجي والذي يجتاح الاقتصاد العالمي، وعليها أيضاً الوقوف مع العالم ككل في وجه التحديات العديدة التي يواجهها من أجل البقاء والسعي للتقدم والازدهار في القرن الحادي والعشرين.
المصدر Global Research