افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير-علي نصر الله:
بعد الانفجار “الفاجعة” الذي وقعَ في مرفأ بيروت – 4 آب الجاري – كان من الطبيعي أن تَذهب الدولة اللبنانية للبحث بالفَرضيات التي أدت لوقوع الكارثة، وللمُباشرة بالتحقيق الذي يَكشف الحيثيات والتفاصيل، ويُقدم الإجابات على التساؤلات المَطروحة، سواء تلك التي تَذهب لفَرضية العدوان والتدخل الخارجي، أم تلك التي تتحدث عن حالات إهمال وتقصير، وسواها من تلك التي تَفترض وجود مُتورطين ومُرتبطين مع الخارج، ذلك بما يَخدم الفرضية الأولى.
أجهزةُ الدولة اللبنانية اشتغلت على جميع الاحتمالات والفَرضيات من اللحظة الأولى التي اندفعت فيها المؤسسات إلى جانب الشُّرفاء الوطنيين أحزاباً وهيئات وجَمعيات لرفع الأنقاض وتَفقد المُتضررين، وإلى تَضميد الجراح، في مَشهد عكسَ الحالة الوطنية لدى اللبنانيين، إلا أن آخرين – من هنا وهناك – ساءَهم المَشهد، وسريعاً سَجلوا حركة مُتخمة بفوائض الاستهداف لتَبدأ معها حملات التشويه والتحريض استثماراً بالفاجعة!.
ما شَهدته الساحة السياسية اللبنانية من استقالات، والشعبية من حَركة مُريبة ضاغطة في الشارع، والإعلامية من مَوجة تَحريض وتَشويه على الشاشات غير الوطنية، إذا ما أُضيف لها ما شَهدته الساحة السياسية الإقليمية والدولية من تَحركات وطروحات مُعادية، فإنّ الكثير تَكَشَّفَ سريعاً، ذلك أنه ليس من المُصادفة أن تَجتمع كل الحَركات والتحركات الحاصلة على البَدء بالتشكيك والطعن بالجيش والقضاء والمؤسسات اللبنانية، والانتقال بسرعة فائقة لمُحاولة إسقاط المؤسسات وإدخال لبنان بالفراغ، هو الأمر الذي يُثبت أنّ الحقيقة لا تَعني هؤلاء وليَتأكد بذات السرعة الفائقة أنّ جميعَ الفَرضيات تبدو غير مُهمة إذا ما تَحقق لهم الهدف السياسي الذي يُلاحقونه!.
الهدفُ لا يَخفى، تمَّ إعلانه فوراً، بل بالغت أطرافُ حملة التحريض والاستهداف بإظهاره والتعبير عنه، وكأنها كانت تَنتظر وقوع الحدث الكارثة لتَنطلق فتَذهب بعيداً في مُحاكاة الأوهام القديمة المُتجددة: استهدافُ المقاومة، سلاحها، ثقافتها، عُمقها، وصولاً إلى هَذيان البعض بما قد طُويت صَفحته التي تُحاول واشنطن فتحها من جديد خدمة للكيان الصهيوني، سواء بالعقوبات أحادية الجانب “قيصر”، أو باستحضار وهم 1701 وسواه.
ليس من النَّباهة والفطنة الاستنتاج بأن ثمة مُخططات صهيوأميركية قذرة تتجدد باستغلال أكثر قذارة للوَجع، للفاجعة، للكارثة التي حلّت بمرفأ بيروت، وبالشعب اللبناني الشقيق، بفعالياته واقتصادياته التي يُمثل المرفأ شرياناً مُهماً وحَيوياً له على المُستوى الوطني اللبناني، لطالما كان ضربُه هدفاً مَركزياً دائماً في بنك أهداف العدو الصهيوني.
صحيحٌ أنّ أجهزة الدولة اللبنانية ما زالت تَعمل على الفَرضيات إياها لمَعرفة الحقيقة وتَقديمها للرأي العام، إلا أنّ الأطراف التي استثمرت بالحادث المُفجع تُؤكد كل يوم ليس فقط أنها غيرَ مَعنية بهذه الفرضيات، ولا بالحقيقة، بل إنها تُضيف كل يوم أدلة جديدة على أنها تُلاحق غايات سياسية تَستغرق بمحاولة إثارة الفتنة، وبمحاولة تَهشيم الدولة اللبنانية واستهداف عناصر قوتها، في المُقدمة منها مُحاولة ضرب مُؤسسة الجيش كمُؤسسة وطنية جامعة حَمت إلى جانب المُقاومة الوطنية لبنان، حيث تم فرض قواعد اشتباك جديدة ومُعادلات قوّة تَردع العدو الصهيوني.
من الواضح أنّ القوى الصهيوأطلسية التي تُواصل حربها الإرهابية ضد سورية، وتَستهدف المنطقة بمشاريع التَّمزيق والتقسيم – تَحديداً دول محور المقاومة – قد وَجدَت بحادث مَرفأ بيروت المُناسبة لتَجديد مُخططات العدوان والاستهداف، ولمُواصلة المَعركة بطرائق جديدة لا تَكتفي بتجنيد الحُثالات التكفيرية وتَمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية وحماية ودعم وتَبني الإرهاب الصهيوني، بل راحت تَفرض العقوبات أحادية الجانب على الشعوب وتَملأ الفضاء بالأكاذيب والفبركات الساقطة المَكشوفة والعارية.
حملاتُ التضليل والكذب الصهيوأطلسية المُتجددة لن تُشوش الرؤية لدى دول محور المقاومة ولن تَجعلها تُخطئ الهدف أو تَحيد عنه، بل تَزيد الرؤية وضوحاً والعزيمة صلابة لمواجهة مشاريع العدوان ومُخططات الاستهداف، ولتَحقيق مَزيد من الانتصارات التي تَحفظ السيادة والاستقلال، تُحرر الأرض وتَدحر الغُزاة، تَفضح المُطبعين ولا تَدع فُرصة حياة لما يُسمى “صفقة القرن” أو سواها مما يُرسم بالرعاية الأميركية تَبادلياً بين مُؤتمرات “أيباك” و”هرتزيليا”، وإن غداً لناظره قريب.