الثورة أون لاين-حسين صقر:
لم يتوان والد الطفل م .ص عن استدانة مبلغ لايقل عن أربعمئة وخمسين ألف ليرة، بمجرد أن أخبره طبيب العظمية الذي قصد عيادته بأن طفله البالغ من العمر ١٠ سنوات بحاجة لعمل جراحي في يده اليمنى، بسبب كسر فوق المعصم، حيث شعور الأهل بألم أبنائهم لا يدفعهم للاستدانة وحسب، بل للنحت في الصخر من أجل تخفيف تلك الآلام، لكن بشرط أن ذلك المبلغ سوف يوضع بمكانه الصحيح، لا أن يكون الهدف الابتزاز والتجارة بالأمراض والصحة والمشاعر.
مع كل أسف لم يستطع الطبيب الذي لجأ له أهل الطفل تشخيص الكسر بشكل صحيح، رغم صورة الأشعة التي قدموها له، وأصر أن الطفل بحاجة لعمل جراحي وصفائح وتخدير عام ومشفى، بينما حالة الطفل لا تستدعي ذلك على الإطلاق، حيث تم التشاور بالأمر والاستعانة بالطبيب س.ش الذي بسّط الأمر للأهل بمجرد التواصل معه، ورؤيته للصورة عبر تطبيق الواتس أب، وقام بحل مشكلة الطفل في العيادة بشكل سهل أكثر مما يتصوره هؤلاء، بعد أن تأكد من صورة الكسر بالعيادة بشكل مباشر، وذلك عبر عملية شد هادئة وحرفية للذراع بمساعدة ذويه، وإعادة العظم إلى مكانه الصحيح، ثم وضع الجبيرة المطلوبة أيضاً، وفوق ذلك لم يتقاض إلا أجراً رمزياً، وكل ما طلبه صورة أخرى بعد وضع الجبيرة كي يتأكد من عمله إن كان صحيحاً، وبالفعل كان له ذلك، مختصراً الوقت على ذوي الطفل، والتكاليف الأخرى التي سوف تترتب على دخول المشفى، فضلاً عن الحالة النفسية للأهل لمجرد دخول طفلهم إلى غرفة العمليات وتعرضه للتخدير والإنعاش وماشابه، والقلق الذي سوف يقاسونه من نجاح العملية، لتبدأ بعدها رحلة جمع المبلغ الذي تمت استدانته، وخاصة إذا كان قد أعطاهم إياه لفترة محدودة، أو تم تأمينه من عدة مصادر، في ظل الظروف المعيشية الصعبة للجميع.
الطبيب س.ش من بين الكثيرين من زملائه الذين يحكمون ضمائرهم، وترفع لهم القبعة، لأنهم يدركون تماماً معنى قلق الأهل وخوفهم على أبنائهم، ويشعرون أيضاً بالآخرين والظروف التي يعاني منها الناس في ظل ارتفاع أجور المعاينة والمواد الطبية وغير ذلك، ولهذا اعتمد على مهارته وكفاءته وجرأته وثقته بنفسه لمجرد رؤيته صورة الأشعة، وعرف أن زميله لم يقدر الأمر مثله، واختصر العناء والتعب وحوله إلى طاقة إيجابية لدى الأهل والطفل معاً، ولاسيما عندما استقبل الطفل بابتسامة عريضة وهو يرفع من معنوياته، وحوّل بكاءه وألمه إلى ضحكة وفرح.
فعندما يحكم الطبيب ضميره، يسهل العلاج، وتخف المعاناة ويزول الألم لأن الطاقة الإيجابية التي يمنحها الطبيب الإنسان للمريض سواء كان كبيراً أم صغيراً، سوف يقطع من خلالها نصف مرحلة العلاج.
الطبيب الأول الذي قصده أهل الطفل، لم يكتف بالتشخيص الخطأ مع كل أسف، ولكن فوق ذلك كرر اتصالاته كي يحصل على أجرة المعاينة التي لايستحقها، وكذلك من أجل حجز سرير للطفل في المشفى الخاص الذي يتعاقد معه، ويحصل على نسبته من وراء كل عملية.
هؤلاء أطباء النسبة مع كل أسف، الذين يتخذون من مهنة الطب تجارة واستثمارا، تاركين الحالات الإنسانية لأصحابها، لأنهم لايشعرون بالإنسان ولا تهمهم آدميته، وكل مايهمهم فقط ملء جيوبهم من أوجاع الناس وأمراضهم وآلامهم وقلقهم، والمتاجرة بمشاعرهم وخوفهم على من يحبون.
فالطب من أنبل المهن التي يحتاجها الإنسان، لأنها تتعلَّق بصحته وسلامته، وهذه المهنة منذ أن عرفها التاريخ يحظى أصحابها بالاحترام والتقدير من قِبل العامة، والطبيب شخص يَنظر له الآخرون على أنَّه يملك فكراً و ذهناً وقاداً وسريع البديهة، ويداً فوق العادة، لما امتلك من طريقة مثالية في خدمة المجتمع، ونحن نعلم أن هذا الفكر والذهن وهذه اليد، إنَّما هي أسباب لجلب الشفاء للمريض أو المتوعك، وتبسيط ماصعب عليه، لا زيادة همومه والضغوطات التي تؤرقه أصلاً، وإذا لم يستطع الطبيب السير في هذا الاتجاه من الأفضل أن يبحث له عن مهنة أخرى تلبي طموحه التجاري.