الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
عند تقييم أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنسبة للصين نقف أمام خيارين “إيجابي” من الناحية الاقتصادية، و”سلبي” على مستوى علاقات بكين مع أمريكا، ومن المرجح أن تنظر السياسة الصينية إلى النصف الممتلئ من الكأس بالرغم من العوائق الكثيرة التي تواجهها.
في الواقع ووفقًا لمخرجات السياسة الصينية الخارجية في السابق لم تكن تظهر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كأولوية في أجندة بكين بالرغم من مشروعها الاقتصادي – السياسي الهام تجاه المنطقة المعروف ب”مبادرة الحزام والطريق”.
لكن اقتصادياً، في عام 2016 نشرت الصين كتابها الأبيض الأول والوحيد المتعلق بالشرق الأوسط، والمخصص للدول العربية بدلاً من المنطقة ككل، وسلطت الورقة الضوء على فرص التعاون المربح للجانبين في مجالات تتراوح بين الطاقة والتجارة والبنية التحتية، والتكنولوجيا والتطوير النووي والفضائي، حيث الشرق الأوسط يلبي ما يقرب من نصف احتياجات الصين من الطاقة، وثمة أهمية استراتيجية للموانئ والمجمعات الصناعية في الخليج ومصر وشرق البحر الأبيض المتوسط أي في سورية.
إن مبادرة الحزام والطريق كانت في البداية تربط موانئ المحيط الهندي، أما الآن فقد تطورت لتمتد من جيبوتي في شرق إفريقيا عبر ميناء (الدقم) العماني وميناء (جبل علي) في الإمارات العربية المتحدة إلى سورية شرق البحر الأبيض المتوسط، وطبعاً بما يربط المحيطين الهندي والهادئ، ولقد أصبحت بكين بالفعل أكثر قلقًا بشأن استقرار منطقة الشرق الأوسط لأن مصالحها الإقليمية المتزايدة جنبًا إلى جنب مع طموحاتها في مبادرة الحزام والطريق تؤكد أن استقرار الشرق الأوسط مهم للصين، لذلك تسعى إلى بناء آلية أمن جماعية إقليمية شاملة ومشتركة تقوم على الإنصاف والعدالة والتعددية والحوكمة الشاملة واحتواء الخلافات.
لكن ما يزيد من تعقيد الجهود الصينية لدفع الشرق الأوسط نحو درجة معينة من الاستقرار هي التكنولوجيا الصينية التي تشمل مبيعات تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والتي أثارت نقمة “إسرائيل” إضافة إلى المساعدة العسكرية الصينية للدول العربية، بالإضافة إلى المساعدات في التكنولوجية الرقمية والأقمار الصناعية التي لا يمثل فيها طرح التكنولوجيا الخلوية للجيل الخامس من عملاق الاتصالات الصيني هواوي سوى مكون واحد، إذ يبدو أن هذا المكون هو ساحة المعركة الرئيسية القادمة، فقد حذر المسؤولون الأمريكيون من أن إدراج هواوي في شبكات الدول العربية قد يعرض الاتصالات الحساسة للخطر، لاسيما بالنظر إلى القواعد الأمريكية المتعددة في المنطقة، بما في ذلك الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين والمقر الأمامي للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في قطر.
إن إطلاق نظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية (BDS) في الصين، والذي يتنافس مع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للولايات المتحدة، و GLONASS الروسي وGalileo في أوروبا، يمهد الطريق للمعركة، لذلك إن تطوير قطاع الخدمات الرقمية، مثل التجارة الإلكترونية عبر الحدود، والمدن الذكية، والتطبيب عن بعد، وتمويل الإنترنت والتقدم التكنولوجي بما في ذلك الحوسبة والبيانات الضخمة والإنترنت والذكاء الاصطناعي، ستمكن هذه المبادرة الصين من تعزيز وجودها في الشرق الأوسط في الاقتصاد والأمن.
لكن العلاقة المتدهورة باستمرار بين الولايات المتحدة والصين هي أسوأ سيناريو بالنسبة لدول الشرق الأوسط، لأن هذا سيقلل تدريجياً من قدرة دول المنطقة على الموازنة بين القوتين الرئيسيتين، وخاصة إذا أجبرت الولايات المتحدة شركائها على تقييد علاقاتهم مع الصين، وأجبرت الصين على التحدي من خلال تبني موقف أكثر حزماً من الناحية الجيوسياسية في المنطقة.
ومن المفارقات أن كل الأطراف تدرك أن مصالحها تكون على أفضل حال من خلال الحد من التوتر والعمل على اتفاقية متعددة الأطراف تشمل إيران بدلاً من استبعادها بالإضافة إلى روسيا والصين والهند.
من المحتمل أن يؤدي هذا الترتيب الأمني المتعدد الأطراف إلى تقليل الضغط على الدول بهدف الانحياز إلى أي جانب بين الولايات المتحدة والصين، وستتمكن الصين من إدارة مشاركتها الأكبر دون الانجرار إلى صراعات المنطقة، لكن إلى الآن لم يصل أي من الأطراف إلى مرحلة الاستعداد التام والعلني إلى إمكانية وجود مثل هذا الهيكل الأمني الجماعي.
بقلم: جيمس دورسي
Responsible Statecraft