الثورة أون لاين- عبد الحميد غانم:
الإرث الشائك الذي خلفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من فوضى سياسية وانقسام داخل المجتمع الأمريكي وتوترات في علاقات واشنطن الخارجية حتى مع الحلفاء، تلقي بظلالها على واقع أمريكا ومستقبلها وتحمل الرئيس الجديد جو بايدن أعباء كبيرة قد ينوء تحت تأثيراتها.
فالسلوك الكارثي الذي مارسه ترامب في أواخر ولايته الرئاسية أدى إلى نشوء أزمة ثقة بين أعضاء الحزبين الرئيسيين في الكونغرس، ولاسيما بعد أن بلغ الأمر درجة قيام بعض نواب الحزب الجمهوري بحمل السلاح داخل مبنى الكابيتول، وهذا سينعكس سلباً على علاقة الحزبين ببعضهما البعض ويزيد من حدة الانقسام بينهما بعد التقارير التي أشارت إلى تواطؤ عدد من نواب الحزب الجمهوري مع مثيري الشغب، ولعل غياب الموقف الموحد إزاء الفوضى التي تسبب بها ترامب بعد تحريض قاعدته الانتخابية على رفض نتائج الانتخابات والطعن فيها قضائياً أمام المحاكم، وعدم استقبال الرئيس المنتخب في البيت الأبيض يوم التنصيب كما تجري الأعراف منذ قرابة القرنين، كل ذلك أدى إلى تحطم جدار الثقة اللازمة لاستمرار النظام السياسي في الولايات المتحدة القائم أساسا على الثنائية الحزبية وتبادل السلطة سلمياً.
فالإخفاقات التي وقع بها ترامب نتيجة وباء كوفيد 19 حيث توفي مئات آلاف الأميركيين جراء الوباء وأصيب الملايين، فيما سجل الاقتصاد المتأزم نتيجة ذلك انكماشا بنسبة 5ر3 بالمائة العام الماضي، إضافة إلى المجتمع المنقسم على خطوط الأحزاب والأقليات والخلفيات العنصرية، كلها لم تمنع ترامب والجمهوريين المؤيدين له من الاستمرار في محاولات وضع العقبات أمام إدارة بايدن، والسعي لحماية الرئيس المنتهية ولايته من المحاكمة بتهمة التحريض على اقتحام الكونغرس في الـسادس من كانون الثاني الجاري.
وهذا ما سيصعب الأمر على بايدن الذي نادى بوحدة أميركا من جديد، دون أن يسمع صوته، فقد كشفت تقارير إعلامية أن ترامب التقى زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي في منتجع مارلاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا وناقش معه مواضيع كثيرة أولها استعادة مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي عام 2022، رغم أن نواباً جمهوريين حذروا مكارثي من اللقاء بترامب في الوقت الذي يسعى فيه الحزب للنأي بنفسه عن الرئيس السابق، حيث انضم خمسة نواب جمهوريين إلى زملائهم الديمقراطيين في جلسة الاستماع إلى محاكمة عزل الرئيس الأمريكي السابق في الكونغرس.
لكن يحتاج أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون إلى ما لا يقل عن أصوات 17 من زملائهم الجمهوريين كي يستطيعوا إدانة ترامب بأغلبية الثلثين أي 67 صوتا من أصل 100 في المجلس، إذ يتقاسم الحزبان المجلس مناصفة مع أغلبية للديمقراطيين يحققها صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس. لقد تسببت سياسات ترامب وممارساته بعد إعلان نتائج الانتخابات في فقدان الثقة داخل النظام السياسي الأمريكي لاسيما في الكونغرس وبين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبين أفراد الشعب الأمريكي، وتحوم شكوك كثيرة حول قدرة بايدن على إعادة تلك الثقة في ظل الانقسام الكبير، وإصرار ترامب على العودة مجددا للحياة السياسية في العام 2022 وربما يترشح لانتخابات 2024 إن لم تنجح جهود منعه من الترشح مرة ثانية بسبب تحريضه على العنف والإرهاب الداخلي، ما يعني احتفاظه بنفس الأجندة التي عقدت الأمور إلى هذا الحد مع شعبية عنصرية متطرفة لا يمكن تجاهلها.