الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
رغم مضي نحو أربعة وخمسين عاماً على احتلال الجولان العربي السوري ونحو أربعين عاماً على قرار ضمه المشؤوم والجائر لسيادة الكيان الصهيوني المحتل والغاصب، لم يتوقف أبناء الجولان العربي السوري عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورفض إجراءاته القمعية وقراراته الجائرة بأشكال متعددة ومختلفة، تراوحت بين المقاومة السلمية ” وقفات واعتصامات واحتجاجات شعبية”، وعسكرية ” نضال وكفاح ومقاومة مسلحة”، واقتصادية ” إضرابات مفتوحة ومقاطعة”، واجتماعية وثقافية “رفض الهوية المفروضة ورفض التعلم بالمناهج الدراسية الصهيونية”، وصولاً إلى دعم دولتهم وجيشهم وقيادتهم في هذه الحرب الإرهابية الظالمة المستمرة منذ عشر سنوات، وهو الدعم الذي شكل أبهى صور التمسك بالوطن الأم والدفاع عنه، لعلم وقناعة أهلنا في الجولان أن الإرهاب الذي استهدف وطنهم وشعبهم في الداخل هو أحد أدوات المشروع الصهيوني العدواني الذي يفرض إجراءاته الاحتلالية عليهم لإجبارهم وإجبار وطنهم على التخلي عن قطعة غالية من أرض سورية المباركة.
واليوم إذ نستعيد مع أهلنا في الجولان المحتل ذكرى إضرابهم الشامل والمفتوح رفضاً لقرار الضم المشؤوم الذي اتخذه الاحتلال الصهيوني، تحضرنا ذكريات بطولاتهم المشرفة في مناسبات عديدة وهم يواجهون بمختلف أعمارهم جنود الاحتلال المدججين بالسلاح بكل شجاعة ويلقنونهم دروساً قاسية في كيفية الدفاع عن الهوية والتمسك بالأرض والانتماء للوطن، ورفض كل ما يقدم عليه الاحتلال من إجراءات تعسفية وقرارات جائرة.
ومن نافل القول إن انتفاضة أهلنا في الجولان في الرابع عشر من شباط عام 1982 ضد فرض الهوية الإسرائيلية، واستمرار إضرابهم المفتوح والشامل لستة أشهر كان تجسيداً عملياً وحقيقياً لانتهاج خط المقاومة ضد الاحتلال وسياساته الجائرة القائمة على الضم والتهويد والاستيطان وتغيير المعالم الجغرافية، الأمر الذي شكل ملحمة بطولية تعكس وطنيتهم الصادقة وتجذرهم العميق وانتماءهم الأصيل لهذه الأرض واستعدادهم للتضحية من أجلها، في مقابل عجز الاحتلال عن ترهيبهم رغم امتلاكه كل وسائل القتل والبطش والقمع والاعتقال والترهيب.
ولا يختلف اثنان على أن الاحتلال قد فشل في فرض وجوده وإجراءاته على إرادة أهالي الجولان الحرة، ففي كل مناسبة تتكرر مظاهر وفعاليات التمسك بالمقاومة والثبات على الموقف والانحياز للوطن، بصور مشرفة كان آخرها قبل أشهر قليلة، عندما واجه أبناء الجولان بشجاعة محاولات سلطات الاحتلال تركيب توربينات ضخمة “مراوح هوائية” لتوليد الكهرباء في أراضيهم، الأمر الذي أحبط محاولاته لسرقة المزيد من أراضيهم واستثمارها في مشاريعه الاستيطانية المكشوفة.
مقاومة أهلنا في الجولان للاحتلال الإسرائيلي لم تنقطع يوماً، ولعل من أبرز رموز هذه المقاومة هم المعتقلون في سجون الاحتلال ممن رفضوا شروطه واملاءاته وألهبوا روح المقاومة والصمود في نفوس أهلهم في الأرض المحتلة، فالمناضل الحر صدقي المقت قضى حوالي 27 عاماً في السجون الإسرائيلية (1985 – 2012)، ورفض كل شروط الاحتلال لتحريره حتى أنه لقّب بعميد الأسرى السوريين، لكن الاحتلال أذعن في النهاية لشروط المقت ليعود إلى مسقط رأسه ويواصل طريق المقاومة والكفاح ضد الاحتلال، ويسجل للمقت أنه وثق بالصور تعاون الاحتلال مع جبهة النصرة الإرهابية في إطار الحرب الإرهابية على سورية، وفضح كذبه وادعاءاته ومشروعه الإرهابي، وقد دفع البطل المقت ثمن ذلك بأن اعتقل أربع سنوات إضافية، مؤكداً أنه صورة حية لصمود وشجاعة أبناء الجولان وتمسكهم بوطنهم الأم سورية ودفاعهم عنها.
لقد كان لإضراب أبناء الجولان المحتل عام 1982 الفضل في إفشال محاولات الاحتلال فرض هويته عليهم، ورغم ممارساته القمعية بحقهم وحشد قواته في القرى والبلدات لفك الإضراب بالقوة، إلا أن صمود أهالي الجولان وتكاتفهم وتمسكهم بشروطهم لفك الإضراب كان له الكلمة الفصل حيث سحب جيش الاحتلال قواته من داخل القرى والبلدات دون أن يحقق أياً من أهدافه.
ويسجل لأهلنا الصامدين في الجولان المحتل أنهم أرغموا الإرهابي شمعون بيريز عندما كان رئيساً لوزراء العدو على الخروج من قرية مجدل شمس البطلة مطروداً خانعاً على وقع التظاهرات العارمة التي عمت أحياء القرية وبقية القرى الجولانية عام 1985، ويومها ارتقى العديد من الشهداء وهم يذودون عن أرضهم وعرضهم، وسطّرت الشهيدة غالية فرحات اسمها بأحرف من نور في محطة نضالية مشرفة.
واليوم إذ يحيي أهلنا الصامدون في الجولان هذه المناسبة المجيدة فإنهم يؤكدون مرة تلو المرة أن الجولان سيعود إلى حضن وطنه ولن تستطيع أي قوة على وجه الأرض فصله عن وطنه لأن أبناءه يجسدون كل معاني الوطنية والشرف والتضحية والإباء.