الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
يجسد الجولان العربي السوري المحتل ومنذ أن دنس العدو الإسرائيلي أرضه الطاهرة أيقونة حياة وصمود ومسيرة نضال لأهلنا الذين ما زالوا يقاومون كل مشاريع ومخططات الاحتلال الصهيوني.
لقد تصدى أهلنا في الجولان المحتل لكل المخططات الاستيطانية الإسرائيلية وأكدوا تمسكهم بالهوية العربية السورية ورفضهم ضم الجولان إلى الكيان الغاصب، وقدموا أمثولة في البطولة والمقاومة والتصدي للاحتلال، وسطروا أروع الملاحم البطولية عندما واجهوا الاحتلال بصدورهم العارية، حيث عمت المظاهرات جميع قرى وبلدات الجولان، عندما حاول الكيان الصهيوني توزيع هوية الجنسيّة (الإسرائيليّة) على الجولانيين الأبطال، فهبوا رافضين قراره الجائر، وأعلنوا على إثر ذلك إضراباً مفتوحاً في 13 شباط من العام 1982، استمرّ حتى 20 تموز لينتهي بمؤتمر عقدوه في بلدة (مجدل شمس) حضره ما يزيد على 1300 من أبناء الجولان في قرى مسعدة ومجدل شمس وعين قنيا وبقعاتا وأصدروا فيه بياناً إلى الرأي العام العالمي سمي بـ( الوثيقة الوطنيّة ) أكّدوا فيها تمسّكهم بعروبتهم وتاريخهم، ورفضهم الاندماج مع الكيان الصهيوني، وأكّدوا أنّ الجولان جزء لا يتجزّأ من الوطن الأم سورية العربية، وأنّهم لن يتخلّوا عن الجنسيّة العربية السورية مهما كانت الضغوطات، ومهما بلغت التضحيات ومهما طال الزمن، وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لهم ولا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين، وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر.
كما أعلنوا في الوثيقة عدم الاعتراف بالمجالس المحلية، لأن الحاكم العسكري الإسرائيلي هو الذي عينها وتتلقى تعليماتها منه، واعتبروا أن رؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلونهم بأي حال من الأحوال، وقرروا بحزم أن كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية أو يخرج عن مضمون تلك الوثيقة يكون منبوذاً ومطروداً من ترابطهم الاجتماعي ويحرم التعامل معه أو مشاركته أفراحه وأحزانه إلى أن يعترف بذنبه ويرجع عن خطأه ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقة.
وحدثت مواجهات وصدامات مع قوات الاحتلال في القرى السورية المحتلة المحاصرة وقطعت المياه والكهرباء ومنع التموين الغذائي عن سكان القرى وعاش أهلها حصاراً استمر أربعين يومياً حرموا فيها من التنقل بين القرى أو التجمهر أو التجمع في الساحات العامة ومنع وصول المعونات الغذائية من عرب فلسطين الذين هبوا لنجدة أهلهم في الجولان وحاولوا مراراً تحدي الحصار والوصول إلى القرى الأربع المعزولة تماماً عن العالم الخارجي، ولكن سلطات الاحتلال شددت قبضتها بهدف كسر إرادة المواطنين العزل المؤمنين بعدالة مطالبهم وحتمية انتصارهم وزوال الظلم عنهم.. ثم أرسلت سلطات الاحتلال من ينوب عنها لاستعادة بطاقات الهوية التي سلمت لعدد من سكان الجولان ولكن عملت على منع جمع شمل الأسر السورية وعودتها إلى الجولان المحتل في انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
حكومة العدو الصهيوني التي فاجأتها شجاعة أهلنا الصامدين ورفضهم المطلق لقراراتها لم تترك بدورها طريقة ولا وسيلة إلا اتبعتها لجعل قرار الضم أمراً واقعاً، حيث توحشت بإجراءاتها وممارساتها القمعية والإرهابية بحق أبنائنا في الجولان، بالتزامن مع محاولاتها تغيير المعالم الجغرافية والتاريخية، من خلال عمليات الهدم الممنهجة للقرى العربية بعد طرد أهلها وسكانها منها، وإقامة المستوطنات مكانها واستبدال أسمائها العربية بأخرى عبرية، كل ذلك تم بالتزامن مع استبدال مناهج التدريس السورية وفصل المعلمين وإقالتهم من سلك التدريس، وإعلان كل مناطق الجولان المحتل مناطق تحت وصاية الحكم العسكري، هذا بالإضافة إلى مطاردة وملاحقة الوطنيين، ومصادرة المياه والأراضي والمرافق الاقتصادية الصغيرة التي يملكها السكان، بحجة أنها أملاك للغائبين الذين تم طردهم بقوة السلاح عن ديارهم، وكذلك منع قيام جمعيات أهلية ونواد محلية، فحولت الجولان بأكمله إلى سجن مغلق، حيث نقلت سلطات الاحتلال أعداداً كبيرة من أبنائه إلى داخل المعتقلات الإسرائيلية وأصدرت أحكاماً بحقهم بتهمة التحريض ضد الأمن، لكن ذلك لم يغير في واقع الأمر شيئاً لجهة ثبات أهالي الجولان وصمودهم ضد إرهاب الاحتلال وممارساته.
الوطن الأم سورية كان له الدور الأبرز والأكبر في مقاومة ومواجهة ورفض القرار الإسرائيلي على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والشعبية والعالمية، حيث أثارت الحكومة السورية هذا القرار الجائر على كافة المنابر السياسية والإعلامية المحلية منها والعربية والعالمية وصولاً إلى بلورة رأي عام عالمي رسمي وشعبي رافض بشكل قاطع للقرار الإسرائيلي الباطل، وهذا ما يدفعنا للقول إن الإرهاب الذي اجتاح سورية منذ نحو عشرة سنوات لم يكن سوى فصل من فصول وحلقات التآمر الصهيوني للانتقام من الدولة السورية وإسكات صوتها المطالب بحقوقها المغتصبة وعرقلة سعيها لتحرير أراضيها المحتلة، وكذلك استعادة الحقوق العربية، وخاصة حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم .
ولكن مهما فعل الاحتلال واتخذ من قرارات جائرة وصعد من تهديداته وعدوانه وتآمره فلن يغير شيئاً من المعادلة الراسخة فالجولان سيبقى سورياً مهما طال الزمن، فهذه قضية محسومة لا جدال فيها بالنسبة للسوريين لأن الجولان بمثابة القلب من الجسد.