الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
شكلت انتفاضة 14 شباط عام 1982التي أعلنها أهلنا في الجولان السوري المحتل رداً على قرار سلطات الاحتلال الصهيوني فرض القوانين والجنسية “الإسرائيلية” على مواطني الجولان، منعطفاً بارزاً وهاماً في مسيرة صمودهم ومقاومتهم الوطنية للعدوان والاحتلال الصهيوني وممارساته العنصرية والقمعية منذ بداية الاحتلال، ليؤكدوا انتمائهم للوطن الأم سورية وتمسكهم بهويتهم السورية مهما كانت التحديات ومهما كانت ظروف الاحتلال قاسية.
فقد انطلقت انتفاضة الجولان، عقب إعلان الكنيست “الإسرائيلي” بتاريخ 14 كانون الأول من العام 1981، قرار “ضم الجولان”، الذي تضمن فرض الهوية “الإسرائيلية”، والتجنيد الإجباري للسوريين في جيش الاحتلال، ليبرهن أهلنا الصامدون، حينها، بدمائهم وتضحياتهم، انتماءهم ورفضهم الانسلاخ عن وطنهم الأم سورية.
لقد شكل هذا التاريخ مناسبة مهمة يحييه أهلنا في الجولان مع إخوتهم في الوطن الأم للتعبير عن رفضهم هوية العدو المفروضة، ورميها تحت أقدامهم، والتأكيد مجدداً أنه لا بديل عن الجنسية العربية السورية ولا تنازل عن الهوية السورية، متمسكين بأرضهم السورية، غير آبهين بسياسة محتلهم الغاصب.
لقد أسقط أهلنا في الجولان بصمودهم في وجه المحتل الغاصب ومقاومتهم له القرار، فبعد ستة أشهر من الانتفاضة والإضراب الشامل، أجبرت سلطات العدو على التراجع عن فرض الجنسية، وألغت التجنيد الإجباري، كما اضطرت لإطلاق سراح كل المعتقلين السوريين وإعادتهم إلى ديارهم دون شروط، ليفشل مشروع الاحتلال في تمرير سياسة “الأسرلة الصامتة” عبر طمس الرموز والقيم الوطنية وإلحاق الجولان بباقي الأراضي المحتلة وجعله جزءاً من الكيان الغاصب.
وعلى الرغم من مضي 54 عاماً على احتلال الجولان، ومضي 40 عاماً على قرار الضم الصهيوني المشؤوم والساقط، بقي أهلنا في الجولان المحتل شوكة في حلق الاحتلال لا يستطيع بلعها أو هضمها، كما ظلوا صامدين بأرضهم لا ترهبهم جرائم الاحتلال وإجراءاته الاحتلالية ولا القمعية، مقدمين أمثولة في الصمود والمقاومة والتمسك بهويتهم السورية والانتماء لوطنهم واستعدادهم للتضحية، حيث ظهر هذا التمسك بأبهى صوره خلال الحرب الإرهابية التي شنت على وطنهم فكانوا عوناً حقيقياً وظهيراً صادقاً وقوياً لأشقائهم في الوطن في وجه الجماعات الإرهابية ومشغلها الصهيوني، وتماهوا مع حرص الدولة السورية وحرص السيد الرئيس بشار الأسد على تحرير ما تبقى من الجولان وإعادته إلى كنف الوطن الأم سورية.
لقد انتصر أهلنا في الجولان السوري المحتل وأسقطوا القرار الصهيوني العنصري، ولعل أهم انتصار كان إبراز اسم الجولان في بطاقة الهوية التي يحملها مواطنو الجولان محل كيان العدو.
لم تكن انتفاضة 14 شباط يتيمة، بل انتهج أبناء الجولان السوري المحتل سياسة الرفض الدائم لكل محاولة تهويد أو ضم حاول الكيان الزائف فرضها عليهم على مدار 54 عاماً، إذ تتكرر وقفاتهم الاحتجاجية باستمرار لتأكيد رفضهم للاحتلال وإيمانهم بعودة الجولان إلى وطنه.
في المقابل لم يتوقف الاحتلال الصهيوني عن ممارسة أبشع السياسات التعسفية بحق أهلنا الصامدين هناك، من تدمير للبيوت وإقامة مستوطنات عليها، وفرض مناهج “إسرائيلية” بدلاً من السورية، ومصادرة الأراضي للمواطنين الغائبين، في محاولة منه لتركيعهم لسياساته، إلا أن الموقف هو هو، الجولان أرض سورية وأهله مواطنون سوريون أصيلون.
كما أسقط أهل الجولان السوري ما يسمى الانتخابات المحلية التي حاولت قوات الاحتلال فرضها عليهم، وقاوموا ممارسات الاحتلال من إقامة مستوطنات ومشروعات زراعية وصناعية للسيطرة على أراضيهم ونهب ثرواتهم المائية، أو تغيير معالم الجولان الجغرافية والتاريخية والتراثية التي تؤكد سوريته وانتماءه.
واليوم وبعد مضى أكثر من نصف قرن على الاحتلال الصهيوني، وما يزيد على 41 عاماً على قرار الضم العنصري، يثبت كيان الاحتلال الصهيوني فشله، في فرض إرادته على الأهل في الجولان المحتل، أو التأثير عليهم من أجل التخلي عن هويتهم التي ما زالت عنوان مسيرتهم وصمودهم ومقاومتهم.
وبهذه الصورة يبقى قرار الاحتلال والضم ساقطاً ميتاً مهما حاول الاحتلال ضخ الحياة في عروقه بإجراءات احتلالية مخالفة للقوانين والأعراف الدولية.