الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
عند الحديث عن العمالة والعملاء ليس من الضروري التوقف عند مذهب أو ديانة أو جنسية الشخص الذي يحترف فعل العمالة لمحتل أو أجنبي طامع ، لأن – صفة العمالة – لا ترتبط بالأديان أو المذاهب أو الأعراق أو الجنسيات ، بل ترتبط بدناءة نفس ووضاعة في السلوك وانعدام في الأخلاق والقيم والتربية لدى الشخص الذي يقدم على مثل هذا الفعل الدنيء وخاصة عندما يكون موجهاً للإساءة والضرر بأبناء شعبه أو أمته .
وما من شك أن العمالة تصبح أكثر دناءة عندما تصدر عن أشخاص مصنفين كمثقفين أو كتاب أو أكاديميين أو محاميين أو أطباء أو أصحاب كلمة أو من حتى من يطلقون على أنفسهم اسم معارضة ، لأن جريمة المثقف هنا لا يمكن أن تصنف في إطار النيات الحسنة أو أن تبرر بأي شكل من الأشكال لأنه يقدم على فعلته وهو مدرك تمام الإدراك مدى خطورتها ، وقد صدق من قال إن خطيئة المثقف هي أكثر خطورة من خطيئة الإنسان البسيط العادي لأنه أكثر قدرة على تبريرها وتسويغها وتقديمها بقالب قد يضلل الآخرين من عامة الناس .
مناسبة هذه المقدمة هي البيان غير الأخلاقي وغير الإنساني الذي تسول فيه مجموعة من “المثقفين” العملاء لأنظمة الغربية ، وخاصة النظام الأميركي من أجل الإبقاء على العقوبات الاقتصادية القاسية المطبقة على الشعب السوري ورفع وتيرتها من أجل إخضاعه وتركيعه والنيل من صموده في وجه الحرب الإرهابية الشرسة التي يتعرض لها منذ عشر سنوات .
ليس مهماً التوقف عند الأسماء التي ذيلت البيان بتواقيعها المشبوهة وهي تقطر خسة وعمالة وتآمراً ، فمعظمهم معروف بعمالته للسفارات الأميركية وخصوصاً في لبنان وتلقيهم التعليمات والمخططات منها ، وتقاضيهم أجور عمالتهم من أموال البترودولار ، وظهورهم المتكرر على شاشات التضليل والكذب والتحريض على القتل والإرهاب وسفك الدماء السورية واللبنانية ، بل من الضروري التوقف عند الرسائل الخبيثة التي يراد لهذا البيان التآمري المضلل إيصالها لصناع الحروب والأزمات في أميركا والدول الغربية ، من أجل فضح هذه النماذج القذرة والإضاءة على أدوارها الشيطانية ، لأن من شأن دعواتهم القذرة في حال تمت تلبيتها أن تزيد في معاناة الشعب السوري أضعافاً مضاعفة في الوقت الذي يحاصر في لقمة عيشه وتسرق ثرواته ومقدراته من قبل الاحتلال الأميركي ومرتزقته .
لا يمكن تصنيف من يدعون لزيادة معاناة الشعب السوري في هذه الظروف الشديدة القسوة ، وإرهاق وتكبيل دولته ومؤسساتها بشروط وإملاءات غير قانونية وغير أخلاقية وهي التي تعمل فوق طاقتها لتجاوز أثار الحرب والحصار ، سوى أنهم عملاء لليبرالية الجديدة التي لا تقيم وزناً لمصالح الدول والشعوب بقدر تحاول تأمين مصالحها الضيقة على حساب القيم والمبادئ والأخلاق والأعراف ، ولعل أكثر ما يثير الاشمئزاز في دعواتهم الباطلة هو استثمارهم الدنيء في موضوع المساعدات الإنسانية ومحاولتهم التدخل في طريقة وأسلوب توزيعها وطرق وصولها ، وربما الأكثر انحطاطاً هو استغلالهم لجائحة كوفيد 19 التي واجه خلالها الشعب السوري الصامد ظروفاً غاية في القسوة في ظل الحصار والإجراءات القسرية المطبقة من قبل إدارة ترامب غير المأسوف على انتهاء ولايته .
لعل أخطر وربما أسخف ما جاء في هذا البيان الساقط الذي يعري وجوه ونيات موقعيه هو محاولة أصحابه زرع الفتنة بين أبناء الشعب السوري عبر ادعائهم بأن موقف الكنائس ورجال الدين المسيحي في سورية الداعي لرفع الحصار والعقوبات لا ينبع من إحساسهم بمعاناة شعبهم بل له اعتبارات أخرى ، والحقيقة التي يحاولون طمسها وتزييفها أن موقف الكنائس ورجال الدين المسيحي في سورية كان أنموذجاً متقدماً في الوطنية وأمثولة في التماسك والتلاحم والدعوة للوحدة والإخاء والتعايش بين مختلف مكونات الشعب السوري حيث أدت الكنائس كما المساجد كل ما هو مطلوب منها وأكثر لوأد الفتنة وتعزيز الوحدة الوطنية ، وهو ما أفقد المتآمرين صوابهم ، و فوت الفرصة على كل من يريد المساس بالوحدة الوطنية والعيش المشترك في سورية ، الأمر الذي عزَّز صمود سورية في مواجهة كل ما يتهددها من مؤامرات خارجية ، وألحق هزيمة معنوية ونفسية بمحور العدوان توازي الهزيمة العسكرية التي ألحقها جيشنا وشعبنا به ، وهذا ما يفسر عودة هؤلاء العملاء للنفخ بهذه القربة المثقوبة في الوقت الضائع ، من أجل التشويش على الاستحقاقات الوطنية السورية التي تقض مضجع طموحاتهم وأوهامهم