مؤتمر ميونيخ .. ما شكل العودة الأميركية المنتظرة

الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:

فيما كان العالم ينتظر بداية سياسة أميركية جديدة تنهي حقبة غير المأسوف على انتهاء ولايته دونالد ترامب التي وضعت الكرة الأرضية على فوهة بركان ، إلا أن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أعاد للأذهان نفس السياسة الأميركية التقليدية القائمة منذ نحو سبعين عاماً والتي كرست التحالفات التقليدية في مواجهة الخصوم التقليديين ، ففي أول خطاب خارجي له منذ بدء ولايته الرئاسية في 20 كانون الثاني الماضي ، أكد بايدن في كلمة له أمام مؤتمر ميونيخ الأمني أن رسالته للعالم هي أن “أميركا عادت” وأن التحالف عبر الأطلنطي أي “حلف الناتو” قد عاد أيضاً ، في محاولة منه لتصحيح العلاقات مع أوروبا ، ورأب الصدع الذي شاب العلاقات الأوروبية / الأميركية خلال ولاية ترامب ، وهو بذلك يطالب بتقوية أكثر مظاهر الحرب الباردة وضوحاً وترسيخاً ، أي حلف شمال الأطلسي ، ولاسيما عندما يعود للنفخ بالخلافات مع روسيا .
ورغم تأكيد بايدن عدم الرغبة بالعودة إلى أجواء الحرب الباردة ، ومطالبته بالتعاون في مواجهة وباء كورونا ، إلا أن انتقاداته لكل من الصين وروسيا ، والحديث عن المواجهة والمنافسة معهما يعيد العالم إلى تلك الحقبة ، فالتعاون بين أوروبا وأميركا كان مكرساً في معظمه لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق ، ولاحقاً وريثته روسيا ، عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً ..إلخ ، وهي الأجواء التي أدت إلى سباق تسلح تقليدي وغير تقليدي وأججت الكثير من الصراعات والأزمات على مستوى العالم بين المعسكرين الغربي والشرقي .
يقول بايدن إن «الديناميات العالمية قد تغيرت» وظهرت أزمات جديدة تجلب الانتباه ، موضحاً أن بلاده مهتمه بالعمل مع الدول الأوروبية وتقوية التعاون معها ، وكذلك مع حلفائها حول العالم ، ولكن طالما الخطاب يتحدث عن حلفاء فإنه يستبطن الحديث عن خصوم وأعداء ، ولا ينهي حالة التوتر القائمة بين بقايا المعسكرين السابقين رغم كل التطورات والأحداث التي عصفت بالعالم ، فعندما يشير بايدن إلى أن ” الهجوم على بلد واحد هو بمنزلة هجوم على الجميع” ، ويؤكد أن واشنطن ستتعاون مع الحلفاء الأوروبيين لمواجهة التحديات المشتركة ، و أنها ملتزمة «بشكل كامل» مع تحالف «الناتو» ، مرحِّباً بالاستثمار الأوروبي المتنامي في القدرات الدفاعية ، فهذا يؤكد الإبقاء على نفس الخصوم والأعداء السابقين كالصين وروسيا الذين أبدوا في فترات سابقة الكثير من الرغبة بالتعاون وإصلاح وتحسين وتوطيد العلاقات وفق مبدأ الندية والتساوي بالحقوق ، ومراعاة مصالح كل طرف ، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تختلق الأزمات تلو الأزمات وتشن الحروب تلو الحروب لتأكيد زعامتها وهيمنتها على العالم كقطب وحيد لا منافس له .
ومن اللافت للنظر في الخطاب أن بايدن اختصر الإرهاب العالمي كله بتنظيم داعش – وهو صنيعة أميركية بالمناسبة شأنه شأن تنظيم القاعدة وهو نتيجة مباشرة لحروب واشنطن – مؤكداً بأنه لن يسمح له بإعادة تنظيم صفوفه أو أن يهدد العالم ، لكنه لم يأت على ذكر التدخلات الأميركية غير الشرعية في منطقة الشرق الأوسط وباقي مناطق العالم ، لاسيما أن هذا التدخل هو إرهاب يتذرع بالإرهاب ، فالتدخل الأميركي غير الشرعي في سورية مثلاً وإقامة قواعد عسكرية في الشمال السوري وسرقة النفط وباقي ثروات السوريين ، ودعم مرتزقة وإرهابيين لا يمكن تصنيفه سوى عمل إرهابي ، وأما الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة للكيان الصهيوني ، والسكوت باستمرار عن جرائم هذا الكيان واعتداءاته الإرهابية واحتلاله للأرض العربي وسرقة ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني في الحياة ، وإقامة دولته المستقلة وتقرير مصيره هو دعم موصوف للإرهاب وفق مبادئ وميثاق الأمم المتحدة ، فما العودة التي يقصدها بايدن إذاً ، إذا كانت السياسة الأميركية ستستمر على هذا النحو..؟!.
أما حين يتحدث بايدن عن التعاون لمواجهة فايروس كورونا “في كل مكان” والحاجة للتعاون من أجل مواجهة “الانتشار النووي” ، فثمة انتقائية وازدواجية معايير مفضوحة في كلامه ، فبلاده على سبيل المثال هي من عرقلت مساعي العديد من دول العالم لمواجهة الفايروس ، وخاصة سورية وإيران ، وحرمتهما من أبسط المساعدات الإنسانية في هذا المجال ، ولم يلمس العالم أي تغيير في النهج الأميركي بهذا الموضوع ، بل ثمة من يسعى داخل أميركا لزيادة الحصار والعقوبات على نفس الدول التي تواجه الوباء العالمي بإمكانيات متواضعة بسبب الحصار والعقوبات الأميركية ، وأما الاستعداد للتفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي فهو مغالطة كبيرة للرأي العام ، فأميركا هي التي انسحبت من الاتفاق الذي التزمت به إيران وهي التي دفعت إيران للقيام ببعض الإجراءات رداً على الانسحاب الأميركي والعقوبات التي تلته ، وإذا كان بايدن جاداً بحل هذا الملف ، فعليه أن يعلن العودة للاتفاق بنفس شروطه السابقة ، لا أن يضيف شروطاً جديدة لا يمكن القبول بها ولاسيما أنها شروط “إسرائيل” التي تملك الترسانة النووية الوحيدة المهددة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ..!
يبدو أن حديث بايدن عن “عودة أميركية” للسياسة الدولية هو مجرد اجترار لسياسة أميركية قديمة بمفردات جديدة لا تخلو من النفاق وذر الرماد في العيون ، إذ لا مؤشرات حقيقية تشي بأن السياسة الأميركية ستتغير نحو الأفضل بما ينعكس إيجاباً على السلم والأمن الدوليين .. ويضع حداً للأزمات الدولية الراهنة

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى