الثورة أون لاين- د. ذوالفقار علي عبود:
تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي هي أصل النشاط الاقتصادي، هو طوق النجاة للخروج من الأزمات الاقتصادية والحصار، فهذه المشروعات هي المصدر الرئيس لتقديم احتياجات المواطنين من السلع والخدمات، وتعد رافداً رئيساً لتغذية الصناعات الكبيرة بمستلزمات الإنتاج، والتي تشكل في بعض الصناعات أكثر من 75% من المكون الرئيس للمنتج.
تعمل المشاريع الصغيرة على تشجيع صغار رجال الأعمال والمستثمرين على الاندماج في أعمال التنمية، كما تعد قاعدة انطلاق لمشاريع أكثر تقدماً، ومن هنا تأتي أهمية تمويل هذه المشروعات، حيث تساهم في ارتفاع معدلات الإنتاجية، وعلى سبيل المثال، تساهم بحوالي 46 %من الناتج المحلي العالمي، وتمثل 65% من إجمالي الناتج القومي في أوروبا و45 % في الولايات المتحدة الأميركية، وفي اليابان فإن 81% من الوظائف هي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فضلاً عن أنها تعمل على تعبئة المدخرات الخاصة لتشغيلها في الاقتصاد القومي.
إن تمويل المشروعات متناهية الصغر يحل العديد من المشكلات الاقتصادية كانخفاض متوسط دخل الفرد ومستوى المعيشة، معدلات البطالة وزيادة المديونية، ومع تعقد هذه المشكلات وتفاقمها تتزايد ضرورة الاعتماد على الذات، وتعبئة الموارد المحلية وإفساح المجال للقطاع الخاص لدور أكبر في عمليات التنمية.
إذاً، المشاريع الصغيرة هي العمود الفقري للاقتصاد الوطني من حيث مساهمتها في زيادة الناتج القومي وزيادة النمو الاقتصادي، ومعظم الأفراد في الدول النامية يعتمدون بشكل كبير على الوظيفة الشخصية أو المشاريع الصغيرة كمصدر للدخل، لهذه الأسباب فإن قضية تمويل المشروعات الصغيرة تتمتع بأهمية كبرى لدى صناع القرار الاقتصادي في سورية نظراً لدورها المحوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في ظل ظروف الحصار والحرب العدوانية.
لقد أثبتت تجارب التنمية الاقتصادية الناجحة أن المشروعات الصغيرة هي المحور الأساسي في توسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة الصادرات وخلق فرص عمل جديدة وخاصة في الأرياف والمناطق النائية فضلاً عن أنها تعمل على تحويل المناطق الريفية إلى مناطق صناعية والعمل على تخفيف عدم التوازن بين المحافظات، وتحقيق التوزيع العادل للدخل القومي وثروات الدولة.
وتأتي أهمية إنشاء مؤسسات لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في سورية من ارتفاع فوائد القروض التي تقدمها المصارف التجارية، ونظراً لقيام هذه المؤسسات بالتمويل الكامل للمشروعات إضافة إلى سهولة الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على التمويل.
كما أن تمويل المشروعات الصغيرة سيلعب دوراً مهماً في الحد من مشكلة البطالة في المناطق الريفية، فالشركات الكبرى والشركات الصناعية تعتمد على المناطق الحضرية وقد فشلت في لعب دور مميز في معالجة مشكلة البطالة.
وتبرز أهمية تمويل هذه المشروعات من خلال مساعدتها على التحول من شركات تابعة للشركات المحلية والدولية إلى شركات مستقلة ومنافسة، من خلال التركيز على تدريب الكوادر لديها والحصول على التكنولوجيا الحديثة ومن خلال دعم الحكومة السورية لها.
كما أن تمويل المشروعات الصغيرة سيجعلها تمتلك إمكانيات كبيرة في عملية التنمية الصناعية في سورية من خلال مساهمتها في معالجة القصور في تكوين هيكل الإنتاج الصناعي، وهذا على اعتبار أن المشروعات الصغيرة تعتمد على مستلزمات إنتاج محلية بدلاً من الأجنبية بشكل عام، وهذا التمويل سيعود على المشاريع الصغيرة بفوائد عدة: التعددية قياساً بالمشاريع الكبيرة، نسبة مساهمتها في الناتج المحلي، التنوع في مجال نشاطاتها، فهي تعتبر المصدر الرئيس للإبداعات والأفكار الجديدة، حيث إن البدايات للمشاريع الكبيرة قد كانت بدايات صغيرة.
المرسوم التشريعي رقم 15 لعام 2007 سمح لمجلس النقد والتسليف بالترخيص باستحداث مؤسسات مالية ومصرفية تهدف إلى تقديم التمويل الصغير والمتناهي الصغر، واليوم يأتي القانون رقم 8 لعام 2021 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد، إجراء مهماً للاهتمام بالمشاريع الصغيرة بهدف الحد من مشكلة البطالة التي تتركز بشكل أساسي في قطاع الشباب، حيث إن عدد المنشآت الصناعية التي تشغل أقل من عشرة عمال تمثل 95% من عدد المشروعات.
القانون رقم /8/ لعام 2021، سيسمح بتحقيق الاستفادة المالية لأكبر شريحة ممكنة من صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ممن يستطيعون ممارسة عمل اقتصادي،
حيث ستمنح مصارف “التمويل الأصغر” قروضاً تشغيلية للأفراد المنتجين بقيمة تصل إلى أكثر من 15 مليون ليرة سورية، بكفالة أو دون كفالة مع إعفاءات غير مسبوقة من جميع الرسوم على كل العقود أو العمليات التي يجرونها مع مصارف التمويل الأصغر، بما فيها رسوم الرهن ورسم الطابع، وهذا الأمر سيُخفض تكلفة القرض.
كما يشكل هذا القانون فرصة لكل مَن يفكر بإنشاء مشروعه الصغير، ولمن يمتلك مشروعاً ويطمح بتوسيعه.
أهم ما في القانون أنه سيشكل مدخلاً لتحسين الوضع المعيشي للفئات ضعيفة الدخل، من خلال تمويل الورشات بمختلف أعمالها، والأعمال الإنتاجية للفئات محدودة وضعيفة الدخل، كما يجمع الممولين والمقترضين في بيئة قانونية مَرنة ويضعُهم أمام فرصة كبيرة لتبادُل المنفعة، وبالتالي فإن رأس المال سيتحرك بانسيابية ونجاح في سوق الاستثمار الصغير، حيث سيحرك المُنتجون (المقترضون) تمويلهم نحو بناء مشاريعهم وورشاتهم وأعمالهم الصغيرة في بيئة تشريعية متخصصة توفر قدرة مستدامة لهذه المشاريع كي تنمو وتكبر، وتُصبح نتائجُها أرقاماً مهمةً في عجلة الاقتصاد السوري، ولا سيما في ظل إجراءات أحادية جائرة تُصعّب ظروف معيشة للمواطن.
ووفق القانون، يُسمح لهذه المصارف قبول الودائع وفتحِ الحسابات الجارية وحسابات التوفير، وتقديم خدمات التأمين وإعادة التأمين للمقترضين، وكذلك خدمة تحويل الأموال داخل سورية وهكذا سيُصبح صغار المنتجين أمام مجموعة من الخدمات المصرفية التي تطوّر نمط حياتهم أيضاً.
حدد القانون رقم 8 مبلغ خمسة مليارات ليرة سورية كحد أدنى رأسمال المصرف الذي سيتم تأسيسه، ومنح هذه المصارف مزايا وأعفاها من ضريبة الدخل على الأرباح طوال السنوات الخمس الأولى من عملها، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على المقترضين والمستفيدين من هذه المصارف، وسيعطي قفزة عملاقة للاقتصاد السوري لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وبناء مشروعات جديدة ممولة بالكامل قادرة على إعادة الحياة للاقتصاد السوري بما ينعكس زيادة في الدخول وحلاً لمشكلة البطالة وتحسيناً للوضع المعيشي للمواطنين كافة.
ويحظى تمويل المشروعات الصغيرة بأهمية كبيرة لدى معظم دول العالم إذا علمنا أن نسبتها 96% من المنشآت الاقتصادية في مصر، ونسبة 97% في الهند، ونسبة 90% في دول أميركا، وما بين 85 – 90% في أوروبا، ونسبة 71% في اليابان، و98% في الأردن.
في حين يبلغ عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في الصين حوالي 4.2 ملايين مشروع، تمثل 99% من حجم المشاريع المسجلة في الصين والتي تسهم في 75% من الناتج الإجمالي، وتساعد على خلق 79% من إجمالي الوظائف الجديدة على مستوى الدولة ككل، وهي من ساهمت في تربع الصين على عرش الاقتصاد العالمي.