الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
أخذت العلاقات الإسرائيلية الإيرانية طابع العداء المستحكم، ورغم ما يفصح عنه كلا الطرفين من استعداد لخوض مواجهة عسكرية إلا أن المواجهة لم تأت بعد، لكن حرباً من نوع جديد قد بدأت تأخذ مسارها، إذ نجد كل طرف يختبر قوة الطرف الآخر من خلال تفعيل أجهزته الاستخباراتية، ولجأت “إسرائيل” إلى توظيف أجهزتها الاستخباراتية في السنوات الأخيرة بهدف تخريب الاقتصاد الإيراني واغتيال شخصيات إيرانية بارزة.
عند الحديث عن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، فلابد من الإشارة إلى الموساد، الذي يعد جهاز المخابرات والتخريب الأول على مستوى العالم، لأنه لا يكتفي بالبحث عن المعلومات السرية، بل يشارك في التصفية الجسدية، ومن أجل ذلك أنشأ مديرية للعمليات السرية باسم (السيادة) تشرف على وحدات قتالية سرية.
وفي ذات الوقت، هناك أجهزة سرية أخرى في “إسرائيل” لا يُعرف مكانها وماهية أنشطتها، ولذلك نجد العديد من الأساطير حول أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وخبث جواسيسها، وفي مختلف الأحوال فإن تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية يماثل تاريخ الاستخبارات الأخرى، فتارة يفلح في مهمته وأخرى يفشل فشلاً ذريعاً في تنفيذها.
وفي مجال العمليات السرية، يمكن النظر إلى المواجهة طويلة المدى بين “إسرائيل” وإيران على أنها حرب، إذ اعترفت “إسرائيل” مراراً وتكراراً بأن استراتيجيتها تقوم على إجراء عمليات سرية ضد طهران، وفي هذا السياق، قام الموساد بالعديد من العمليات السرية، وعلى رأسها تحريض محافظات إيرانية على الانفصال عن إيران مثل كردستان وسيستان وبلوشستان، فضلا عن المساهمة في إنشاء شبكة عملاء في إيران بمساعدة من منظمة خلق التي تحولت إلى دمية بيد “إسرائيل”، وبذريعة المخاوف التي تكتنف “إسرائيل” من حيازة إيران للأسلحة النووية تكررت العمليات الإسرائيلية في هذا البلد منذ فترة طويلة.
وقد برزت العمليات الإسرائيلية السرية الخاصة ضد علماء نوويين إيرانيين في مطلع عام 2007، عندما اغتالت العالم الإيراني البارز أرداشير حسن بور 44 عاماً، الذي كان يعمل في منشأة أصفهان النووية، فضلا عن حالات وفاة غامضة لزملائه، وفي شباط عام 2009، ذكرت صحف بريطانية وإيطالية أن “إسرائيل” تشن حرباً سرية على علماء نوويين إيرانيين من خلال استهداف الشخصيات الرئيسة في برنامج إيران النووي.
علاوة على ذلك، ذكرت وسائل إعلام غربية ضلوع الموساد في اغتيال علماء على أراضي دول أخرى، على غرار اغتيال العالم الكندي جيرالد بول، الذي صمم أسلحة عراقية، بالإضافة إلى القيام بسلسلة هجمات استهدفت مجموعة من العلماء الألمان.
كما أشارت وسائل إعلام أميركية إلى احتمال تورط الموساد بقتل مجموعة من العلماء الإيرانيين بين عامي 2010 و2012، بعضهم كان يعمل مع محسن فخري زاده، ففي شهري كانون الثاني وتشرين الثاني عام 2010 اغتال الموساد مسعود علي محمدي، الأستاذ في جامعة الإمام حسين في العاصمة طهران، ومجيد شهرياري، الأستاذ في جامعة بهشتي.
وفي كانون الثاني 2020، اغتيل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني على يد أميركا بالتعاون مع إسرائيل، وفي 27 تشرين الثاني عام 2020، اغتيل عالم الفيزياء النووية الإيراني محسن فخري زادة في إحدى ضواحي طهران.
وبعد أن تسبب فيروس الكمبيوتر ستاكسنت في تعطيل العديد من أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الإيرانية عام 2010، أصبحت الحرب الالكترونية بين إيران و”إسرائيل” أكثر خطورة.
لا ريب بأن تلك الأفعال التي تقوم بها أجهزة المخابرات الإسرائيلية لا يمكن أن تفلت من العقاب، فقد حذرت السلطات الإيرانية “إسرائيل” مراراً وتكراراً، وتصرفت طهران بحكمة وتعقل عندما لم تلجأ إلى تنفيذ التهديد السابق بتوجيه ضربة صاروخية ضد “إسرائيل”، غير أنها أبدت التزامها بسياستها القائمة على “العين بالعين” مع القليل من إراقة الدماء، ففي وقت سابق، انتقمت إيران لمقتل الجنرال قاسم سليماني بتدمير مركز القيادة الجوية التابع لوكالة المخابرات المركزية في أفغانستان، حيث قتل قائد الاستخبارات في الشرق الأوسط ميشيل أنديريا مع مجموعة من مسؤولي الاستخبارات الأميركيين.
صرح وزير الإعلام ورئيس أجهزة المخابرات الإيرانية محمود علوي أن جهاز مكافحة التجسس في البلاد كشف عن شبكة سرية تتألف من 290 جاسوساً، كما أعلن سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني عن إجهاض عمل “شبكة تجسس كبيرة تعمل في الفضاء السيبراني للبلاد”، وسيواجه العديد من أولئك المعتقلين عقوبة الإعدام، وقد عرضت قناة “برس تي في” المحلية الناطقة باللغة الإنجليزية فيلما وثائقيا نشرته”شبكة المخابرات المركزية” مفاده أن إيران وجهت ضربة قوية لشبكة تجسس في المنطقة وخارجها، بالإضافة إلى ذلك، يعرض الفيلم تفاصيل “مطاردة” للخونة والاعتقالات اللاحقة، والمقابلات مع العملاء.
في 3 كانون الأول، قُتل فهمي حناوي، أحد رؤساء الموساد، الذي اضطلع بتصفية العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وكان سيناريو اغتياله يتبع النمط ذاته الذي استخدمه الإسرائيليون، الأمر الذي أثار قلق “إسرائيل” تحسباً من عدم توقف إيران عند إعدام عضو في الموساد، لذلك أصدرت تنبيهاً عاماً في 4 كانون الأول للعاملين في مفاعل ديمونا النووي، إلى جانب تحذير جميع موظفيها من خطر محتمل سواء في العمل أو في المنزل، وزاد هذا الخوف نتيجة تهديدات حزب الله اللبناني “بالانتقام برصاص القناصة”.
الجدير بالذكر أن وزارة “الحرب” الإسرائيلية قد أبلغت مؤخراً عن فقدان معدات التشفير والاتصالات اللاسلكية – الإلكترونية باهظة الثمن في إحدى القواعد العسكرية في كايليم، ولا تعد هذه العملية هي الأولى، ففي أواخر كانون الأول فقدت 93 ألف طلقة من عيار 5.56 من مستودع ذخيرة تحت الأرض، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه في حال التأكد من ضلوع إيران فهذا يعني أنها أخذت تنفذ عملياتها الانتقامية، وعلى الرغم مما أظهره الموساد خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية من تفوق في مواجهة المخابرات الإيرانية، يبدو أن الحال قد تغير في الآونة الأخيرة، فالعمليات التي جرت في الأشهر الفائتة أثبتت نجاح أجهزة المخابرات الإيرانية في كشف نقاط الضعف في “إسرائيل” ما يمكنها من العمل بنجاح من وراء الستار.
لا خيار أمام إيران سوى انتهاج قواعد لعبة فرضتها أميركا وربيبتها “إسرائيل”، الأمر الذي سيجعل الرعب واغتيال الشخصيات السياسية والعامة سمة لما سنشهده في المستقبل.
المصدر New Eastern Outlook