الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
احتضنته دمشق طفلاً وشاباً وفي سنوات عمره الأخيرة، كان كالطائر الذي يجول العالم ولكن حنينه دائماً إلى مرابع طفولته والبيت الدمشقي بحميميته بين ربوع أسرة دمشقية يرعاها مرب فاضل شهدت له مدارس دمشق بالتفوق والإخلاص، المربي جميل مراد.
ولد الباحث محمد مروان مراد في العام 1934 في حي شعبي” القيمرية” وترعرع بين ربوع أسرته ونهل من معينها العادات والتقاليد والقيم الدمشقية العريقة، فقد تتلمذ على يدي كبار المربين والمدرسين، حتى شب عن الطوق وتخرج من دار المعلمين وعمل في مهنة التدريس، لكن شغف الدراسة دفعه لمتابعة تحصيله في قسم التاريخ في جامعة دمشق والحصول على الإجازة الجامعية، وكانت نقلة هامة في حياته.
ظهر شغفه في الكتابة منذ نعومة أظفاره، فكتب لمجلة المدرسة وكان خطيبها الأفصح الذي يحيي فيها المناسبات الوطنية، وكذا في دار المعلمين الذي كان يرأسها شاكر مصطفى وقدم له أول هدية ديوانين لنزار قباني” طفولة نهد، قالت لي السمراء، وكانت من أثمن الهدايا التي قدمت له.
أعير للتدريس في الكويت وقطر مع مجموعة من المدرسين ومنهم” عاصم بيطار، محمود الأيوبي، أحمد الخطيب، وتعرف خلالها على الكثير من الأدباء وكتب في العديد من الصحف والمجلات الكويتية.
وفي دمشق وفي العام 1990 كان نقطة الانطلاق في عالم التأليف وكان الحصاد أكثر من 400 مقال ودراسة وفي غالبيتها كانت عن التراث العربي الإسلامي ومدينة دمشق، وقد كان كاتباً مميزاً في مجلات عديدة” بناة الأجيال، مجلة الرافد، التراث الشعبي، مهد الحضارات، المعرفة، ومجلة نهج الإسلام.
ومن مؤلفاته” مبدعون في ذاكرة الوطن، دمشق سجل الإبداع الفكري، أمثال العرب، حكمة وبلاغة وأدب، أعلام الكشف والاختراع، الإرادة تقهر الصعاب، جواهر البيان العربي ..”
استطاع أن يكون فاعلاً في المجتمع الأهلي، وشكل في المنتديات الثقافية حراكاً لافتاً “المنتدى العراقي، المنتدى الاجتماعي، الهلال الأحمر، جمعية أصدقاء دمشق ..”
تميزت حياته بالبحث الدائم عن المعلومة الجديدة لتكون مادته في مؤلفاته بهدف أن يقدم ما يفيد الباحث والدارس بطريقة منهجية وغنية، ولم ينس أن يخصص جزءاً من مؤلفاته للأطفال” سنابل الذهب، حيوانات المروج والغابات، نهاية الكوكب موتو ..”
إلى جانب مؤلفاته العديدة كان يعشق العديد من الهوايات” جمع الطوابع، جمع العملات، جمع رسائل الأهل والأصدقاء والبطاقات التي كانت تقدم في المناسبات، والهواية الأهم كانت الرحلات التي منحته الكثير من المعارف والحديث عن الأماكن بطريقة موضوعية من وجهة نظر الباحث الشغوف بتكريس المواقع الأثرية الهامة وتسليط الضوء على الكثير من المعالم.
واستطاع أن يوزع اهتماماته بين الأسرة والاطلاع والتأليف والمشاركة في الأنشطة والفعاليات الثقافية، وكان يستقبل الطلاب ليقدم لهم خلاصة تجربته في الحياة، وما استطاع أن يجمعه من معلومات في كتبه، يقدم لهم النصيحة ويأخذ بيدهم ويرسم لهم طريق النجاح، وقد تميز بقدرته على التواصل، وكيف لا، وهو المربي والمدرس الذي قضى جل حياته بين الطلاب في مراحلهم كافة.
من أمنياته التي لطالما كان يبوح بها أن يعود ذاك المارد المخبوء في داخل كل منا إلى الوجود، وهو الضمير، ليكون البوصلة التي تحكم أعمالنا، وكان يغرس في نفوس طلابه حب العمل من أجل الوطن، فلا خير في إنسان لا يفكر ببلده ويعمل من أجلها ويدافع عن مقدراتها وحريتها.
رحلة استمرت من العام 1934 حتى العام 2021 قضاها بين الكتب والدراسات والندوات، وفاء لوطنه عله يفيها جزءاً مما قدمته له، وهل جزاء الوفاء إلا الوفاء، رحم الله الباحث محمد مروان مراد، فالأثر عمر آخر.