نهاد العيسى: في كل خيط حكاية تقرأ

الثورة – عبير علي:

يُعد فن الخيوط من أروع الفنون الحرفية التي تجمع بين الإبداع اليدوي والصبر الدؤوب، حيث يعتمد هذا الفن على الخيط والخشبة والمسمار لصنع لوحات فنية، تستمد جمالها من الأشكال الهندسية والخيال الواسع. ويُعتبر هذا الفن من الأعمال اليدوية الخالصة (هاند ميد)، ويتميز بإمكانية تنفيذه باستخدام أدوات بسيطة، لكنه يتطلب دقة عالية ومهارة فائقة.

تعددت التسميات لهذا الفن فقد عُرف بـ “فن الخيوط”، “فن الخيوط الوترية” (String Art)، “الفن الفيلوغرافي”، و”فن الخيوط الشعاعية”. ورغم تعدد الأسماء، يبقى هذا الفن نادرًا وصعبًا في تنفيذه، إذ يتطلب جهدًا كبيرًا وصبرًا طويلاً، وهو ما يجعله فنًا غير شائع مقارنةً بغيره من الفنون.

البداية والنشأة

يرجع أصل هذا الفن إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث تحوّل في تلك الحقبة إلى حرفة زخرفية بفضل جهود مجموعة من الفنانين الذين أدخلوه في أشكال متعددة، تميل أغلبها نحو الأسلوب التعبيري. واليوم، يُعد الفنان نهاد العيسى من القلائل الذين حافظوا على هذا الفن وواصلوا ممارسته على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها.

في لقاء خاص لصحيفة “الثورة”، تحدث الفنان العيسى عن بداياته مع هذا الفن، التي تعود إلى أيام طفولته في الأنشطة الكشفية والمشاركة مع المنظمات الشعبية التي كانت تعلّم الأطفال أساسيات فن الخيوط. يقول:«بدأت أعمل في هذا الفن منذ كنت طفلاً، وقد أحببته وتعلقت به. ومع مرور الوقت، تطوّر شغفي به حتى أصبح جزءًا من حياتي. كانت البداية مع عدة ألبومات من الصور، واليوم ومع الإنترنت أصبح الأمر أسهل بكثير. فقد كنا في الماضي نبحث طويلاً للحصول على صورة معينة، أما الآن فهناك آلاف الصور المتاحة بسهولة.»

تناغم الخيال والإحساس

يُعد فن الفيلوغرافي أحد أشكال فن الخيوط التي تعتمد على الخيال والإحساس، حيث يستلهم الفنان موضوعاته من الطبيعة وكائناتها، بالإضافة إلى صور الأشخاص المشهورين. من أبرز المواضيع التي ركز عليها العيسى في لوحاته هي المرأة، إذ يقول:«المرأة بالنسبة لي مصدر جمال لا ينضب. لذلك تجدها حاضرة في العديد من لوحاتي بألوان زاهية، تُجسد فيها جمالها الفطري.» كما يبرز أيضًا في أعماله موضوعات أخرى مثل الحيوانات، حيث يقول عن ذلك:«البيئة القروية في سوريا غنية برموز مثل الديك، الذي يظهر في كل مكان، لذلك أردت أن أظهره في لوحاتي بألوان متعددة لتمثيل جماله.»

تكاليف وجهد كبير

وبالرغم من جمال هذا الفن، يواجه الفنان نهاد العيسى صعوبات كبيرة في تنفيذه، حيث يشير إلى أن الأدوات التي يستخدمها مكلفة للغاية. فهو يعتمد على الخشب، والمسمار، والخيوط الملونة بأنواع متعددة مثل الخيوط المقصب والحريري، إضافة إلى مواد أخرى مثل الحطب كإكسسوار لتزيين اللوحات. ويضيف العيسى:«كل لوحة قد تحتاج إلى 3000 مسمار، بالإضافة إلى وقت وجهد كبيرين لإنجاز العمل. هذه الصعوبات تجعل هذا الفن مكلفًا للغاية.»

شغف المتابعين ودعمه المستمر

على الرغم من التحديات، استطاع الفنان العيسى أن يُحقق شهرة واسعة لهذا الفن، حيث لاقى إعجابًا كبيرًا من قبل الجمهور. يوضح العيسى قائلاً:«لاحظت أن الناس يحبون هذا النوع من الفنّ لأنه مختلف، وغريب، وغير مألوف. كما قدمت لوحات مميزة مثل لوحة مارلين مونرو وشارلي شابلن، حيث جسدت مارلين في حالات متعددة، وشارلي شابلن في لحظة حزن.»

رؤية فنّ الخيوط للجمهور

أقام العيسى العديد من المعارض الفنية في المراكز الثقافية والمحافظات السورية، سواء بشكل فردي أو جماعي. كان آخر هذه المعارض هو المعرض العاشر الذي أقيم في محافظة درعا، بعنوان “عندما تغني فيروز”. ورغم أن المعرض تميّز بلوحات مستوحاة من شخصية فيروز، إلا أن العيسى أضاف أيضًا العديد من الأشكال والرسوم الأخرى التي تنوعت بين الإنسان والطبيعة. وعن هذا المعرض، قال العيسى:«المعرض كان خاصاً جدًا بالنسبة لي، حيث حاولت أن أعبّر عن حب الناس لفيروز من خلال لوحات مستوحاة من أغانيها. كانت أغنياتها على لسان الخيوط تعبيرًا عن الوطن والحب والحياة.»

تعليم الأجيال وحفظ الفن

رغم كل التحديات، يظل هدف العيسى الأساسي هو تعليم الشباب هذا الفن الجميل، خوفًا من اندثاره مع مرور الزمن. حيث قال:«رسالتي هي تعليم الأطفال والشباب هذا الفن، لنحافظ عليه وننشره. أتمنى أن يُقام معهد خاص في سوريا لتعليم هذا الفن للأجيال القادمة من جميع المحافظات.» وختم حديثه بالقول:”يبقى فن الخيوط أحد أبرز الفنون التي تعبّر عن الإبداع اليدوي وقدرة الإنسان على خلق الجمال باستخدام أبسط الأدوات، ليظل هذا الفن شاهدًا على الأصالة والحرفية السورية في عالم الفن.”

آخر الأخبار
 إنتاج 400 طن سماد يومياً بحمص بعد توقف ثلاث سنوات بين الإصلاح المالي والواقع التقني.. الفوترة أمام اختبار التطبيق القبض على "جزار السجن الأحمر" "المباقر": خطة لإدخال قطعان جديدة من البكاكير تعزيز الوعي الغذائي في المدارس موسم قطاف الزيتون.. ذاكرة الأرض ونبض العطاء الإطار الثلاثي"السوري الأميركي التركي".. وضع إسرائيل في خانة "اليك" أسعار المشتقات النفطية تحت "رحمة الدولار" تأهيل محطة مياه الطريف بريف دير الزور بين ضعف الخدمات وتحدي الوعي البيئي.. دمشق تحلم بوجه نظيف انعكاسات منتظرة بعد تخفيض أسعار المحروقات خطة إعلامية توعوية بحلب لترسيخ السلوك البيئي الإيجابي حملة لرفع الأنقاض في تادف شرق حلب بلا فرامل دوري على المكشوف سعر الصرف والسوق المفتوحة.. بين المشكلة والحل الأمبيرات في حلب.. قرار رسمي لا يُنفذ ومعاناة لا تنطفئ من جديد.. أزمة المواصلات تتصدر المشهد في حلب استكمال تأهيل الثانوية المهنية الصناعية الخامسة بحلب قلوب مخترقة.. عندما يغازل الذكاء الاصطناعي مشاعرنا