الثورة – همسة زغيب:
تكتب إيمان موصللي لتوقظ الوعي وتؤنث القصيدة بتمردٍ ناعمٍ يحمل بصمة الأنثى السورية وعمق التجربة الإنسانية، ومن دفاتر الحلم والوجع تولد كلماتها، لتقول إن الشعر فعلُ حياةٍ وضميرٌ لا يشيخ، وإن الكلمة حين تصدق تتحوّل إلى مرآةٍ للروح وسلاحٍ ناعمٍ ضد القبح.

أنثى الحرف
منذ الطفولة كانت اللغة ملاذها الأول وساحتها الأرحب، كما عبرت موصللي في حديثٍ لصحيفة “الثورة”: «بدأت كتابة الشعر منذ مرحلة مبكرة من أيام الدراسة، وتطورت التجربة من خلال دراستي للأدب الإنكليزي الغني بالشعر والقصة والرواية، إلى جانب مطالعتي لتجارب عديدة في الشعر العربي والأدب بكل أجناسه.»، وجدت في الأدب الإنكليزي مدرسةً للتنوّع والتأمل، فكوّنت منها أساس تجربتها الشعرية لأنها لا تنتمي إلى الحلم بقدر ما تنتمي إلى الواقع. قرأت لبودلير ووديع سعادة وسركون بولص والماغوط والمتنبي والمعري، لكنها توقّفت طويلاً عند الشاعر السوري رياض صالح الحسين، وتصفه «بعرّاب قصيدة النثر»، قائلة: «أكثر من أثّر في تجربتي هو الشاعر رياض صالح الحسين، لأنني أعتبره – وهذا رأيي الشخصي – عرّاب قصيدة النثر الحديثة في الشعر السوري».
فوضى خلاقة وبوصلة وعي
لا ترى موصللي في الشعر إلا مغامرةً تستحق المخاطرة، لكنها مغامرة مدروسة ومحمولة بشغف الجمال والجرأة معاً. توضح: «الشعر بحر جذاب وخطير، ويستحق مغامرة الغوص فيه، وتبقى قصيدة النثر بالنسبة إليّ الأكثر قدرة على احتواء روح العصر، رغم الجدل الكبير حول تسميتها.» تبدأ التجربة في نظرها من الذات، لكنها لا تنتهي عندها، فالشاعر الحقيقي يبدأ بالبوح الشخصي ثم ينضج لينفتح على الآخر والهم الإنساني العام: «في البداية تتمحور التجربة حول الشاعر نفسه، لكن شيئًا فشيئًا تنضج الأفكار واللغة، فيتخلى عن أنانيته غير المقصودة، وينهض وعيه من حدود جسده ومحيطه، ليشرع الباب أمام القضايا الإنسانية من وجعٍ وحزنٍ وفرحٍ وتجدد.»

الشعر مرآة للروح
يتجاوز الشعر حدود الجمال في تجربتها، إلى مهمة أعمق، وهي الكشف ومواجهة الذات. تقول موصللي: «إنّ الشعر الأصدق في التعبير عن المشاعر، وكأنه مقياس حرارة أو جهاز تخطيط قلب يكشف ما يجول في دواخلنا. هو حاسة مضافة ترى ما لا يُرى وتفضح ما تخفيه العيون.» وترى أن الكلمة الصادقة قادرة على أن تغيّر أو تُنير الواقع: «الشعر قادر، من خلال صدق بوحه وقوة لغته ونضوج تعابيره، أن يساهم ولو بشكل غير مباشر في تغيير الواقع أو إلقاء ضوءٍ واضح على مشكلات المجتمع.»
بين الحداثة والتراث
رغم انتمائها لقصيدة النثر، لا تنكر موصللي فضل الشعر الكلاسيكي وتراه حجر الأساس الذي لا يُمكن تجاوزه. وأوضحت: «أميل لقصيدة النثر الواسعة الطيف، صاحبة الفوضى الخلاقة والصور العابرة للمألوف، رغم إعجابي بالشعر الموزون فهو حجر الأساس الذي لا يمكن إنكاره.» وترى أن الشعر اليوم يعيش مرحلة خجولة رغم الأصوات الجديدة الواعدة، مضيفةً: « إنّ الشعر خلاصة التجارب الإنسانية، ووعاء ثقافي غني لابدّ أن يحاكي الواقع ويسعى إلى تحسينه، وأن يرسّخ القيم الجمالية ويطوّر اللغة بما يتناسب مع حداثة العصر.»
تمرّد أنثوي ووعي ثقافي
لا تأتي المرأة في تجربة موصللي، كموضوع شعري بل ككيانٍ فاعل داخل النص، كنبض في القصيدة وروحها، ومن خلال مجموعاتها الشعرية «قلبي المغفور له» و«كريستال» و«تاء التأنيث الثائرة»، يتجلّى صوت الأنثى السورية بكل ما يحمله من رهافةٍ وتمرّد. تقول: «الشعر بلا رسالة كعابر سبيل لا يترك أثراً، وأسعى من خلال كتاباتي إلى إثبات أن المرأة، والسورية خاصة، قادرة على التعبير عن ذاتها بجرأةٍ مدروسة، وأن تسهم في نهضة المجتمع الثقافي نحو الأفضل.» وتضيف: «إنّ المثقف الحقيقي يفرض دوره بنتاجه الأدبي، لا بانتمائه السياسي أو الاجتماعي. فالثقافة ضمير المجتمع وصوته الحي.»
آفاق جديدة
لم تتوقف موصللي عند الشعر، بل وسّعت حضورها الأدبي إلى أشكالٍ أخرى، فساهَمت في الديوان المشترك “كلمات”، وشاركت في عشرات المهرجانات والمنتديات الثقافية في دمشق ومعظم المحافظات السورية. تقول عن مشاريعها القادمة: «غايتي الأهم تطوير أدواتي والتعلم من كل تجربة حولي، أنا حالياً بصدد نشر ديواني الرابع، وأكتب رواية كمحاولة أولى أتمنى لها النجاح.»
ذاكرة وطن لا تموت
إيمان موصللي ليست مجرد شاعرة، إنها صوت أنثويٌّ يحمل ضمير الوطن ووجع الإنسان، وتكتب لتترك أثراً لا يُمحى. تقول في ختام حديثها: «الكلمة بالنسبة لي فعل حياة وذاكرة وطن لا تموت. لا أبحث عن شهرةٍ عابرة، بل عن أثرٍ يبقى، لأن الأدب ما زال قادراً على أن يُغيّر ويُضيء».
