ستة تماثيل تثير العاصفة.. ماذا جرى في المتحف الوطني بدمشق؟!

الثورة – سعاد زاهر:

انتشرت الأنباء حول حادثة سرقة طالت القسم الكلاسيكي في المتحف الوطني بدمشق، لكن ما لبثت تلك الأخبار أن تباينت في تفاصيلها بين المواقع ووسائل الإعلام المختلفة، بين من تحدث عن “مسبوكات ذهبية نادرة” وآخرون أكدوا أنها “تماثيل حجرية رومانية صغيرة”. ظلّ السؤال الأبرز معلقًا… ما الذي سُرق فعلاً؟، ولماذا هذا التضارب في المعلومات حول مؤسسة تُعدّ من أهم حراس الذاكرة السورية؟.

ستة تماثيل حجرية رومانية

بحسب تصريح رسمي لصحيفة الثورة صادر عن مديرية الآثار والمتاحف من خلال معاونة المدير المهندسة لينا قطيفان، فإن المسروقات هي “ستة تماثيل حجرية صغيرة تعود إلى الفترة الرومانية”، كانت معروضة ضمن الجناح الكلاسيكي في المتحف الوطني بدمشق. لكن حتى هذه اللحظة، لم يصدر توضيح حول سبب تضارب الأخبار بين المصادر الرسمية والإعلامية، ما فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول آلية التواصل الإعلامي في القضايا الثقافية الحساسة.

ذهب أم حجر

تضارب الأنباء لم يكن محليًا فحسب، بل امتد إلى وسائل الإعلام العالمية، فمن بين الوسائل الإعلامية التي ذكرت الحادثة نختار بعضها على سبيل المثال… فقد نشر موقع الجزيرة الإلكتروني خبراً بعنوان “سرقة قطع أثرية ذهبية من المتحف الوطني في دمشق”، ذكر فيه أن العملية طالت ست قطع ذهبية (مسبوكات وتماثيل ومقتنيات نادرة) من الجناح الكلاسيكي.

وفي المقابل، نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر قريب من إدارة المتحف قوله إن “السرقة طالت ست قطع أثرية كانت معروضة في الجناح الكلاسيكي”، موضحاً أن المسروقات هي مسبوكات ذهبية. أما موقع العربي الجديد فقد قدم رواية مختلفة، إذ أشار إلى أن العملية استهدفت “خزائن وواجهات عرض داخل القسم الكلاسيكي”، حيث جرى “تحطيم ست خزائن وسرقة محتويات بعضها”، وأوضح المصدر أن القسم يضم مقتنيات من ثلاث فترات تاريخية رئيسية: الهلنستية، الرومانية، والبيزنطية، تتنوع بين أيقونات نحاسية، صحون فخارية، وصلبان برونزية، ومنحوتات حجرية تعكس مشاهد إنسانية ودينية.

وبين هذه الروايات المتباينة، لم تصدر حتى الآن رواية نهائية أو قائمة دقيقة بالمسروقات، الأمر الذي يجعل من الغموض جزءًا من الحدث نفسه.

إجراءات وتحقيقات

وخلال زيارتي إلى مديرية الآثار والمتاحف للحصول على توضيح رسمي، أكدت المهندسة لينا قطيفان معاونة مدير عام الآثار والمتاحف، أن الحادثة وقعت فجر يوم الاثنين العاشر من تشرين الثاني، عندما تعرّض المتحف الوطني في دمشق لعملية سرقة طالت عدداً من القطع الأثرية، وهي ستة تماثيل حجرية صغيرة من الفترة الرومانية من المرمر والحجارة، يتراوح ارتفاعها ما بين 20 و25 سنتيمتراً. وأضافت…فور اكتشاف الحادثة، توجهت وحدات الأمن الجنائي إلى المتحف، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، حيث أُغلق المتحف مؤقتاً إلى حين انتهاء التحقيقات الجارية. وأوضحت أن المنظومة الأمنية في المتحف، بحاجة إلى تحديث، مشيرة إلى أن التنسيق مع اليونسكو والمنظمات المانحة بدأ قبل وقوع السرقة لتطوير أنظمة المراقبة والإنذار والحماية في جميع الأقسام، بما في ذلك المستودعات، وأكدت أن العمل جارٍ بالتعاون مع الإنتربول لاستعادة القطع المسروقة ومحاسبة المتورطين، مع متابعة عمليات الجرد والتوثيق بشكل دقيق.

واقع مؤلم

الغريب في الأمر أنني كنتُ قبل أربعة أيام فقط من الحادثة قد التقيت أمين عام المتحف الوطني بدمشق، الدكتورة ريما إلياس خوّام، في لقاء طويل تحدّثت خلاله عن تاريخ المتحف وأهمية دوره في حماية الذاكرة السورية. حينها قالت: سرقة الآثار من خلال عمليات التنقيب غير الشرعية، كانت موجودة سابقاً ولا تزال قائمة، لكنها تتخذ أشكالاً مختلفة مع الزمن…! لم أكن أتوقع (ولا هي) أن يتحول حديثنا التحذيري ذاك إلى واقع مؤلم بعد أيام قليلة فقط.

ذاكرة سورية حيّة

في حديثها عن المتحف، وصفت خوّام المكان بقولها: المتحف ليس مبنى للحجارة والتماثيل، بل كتابٌ مفتوح على ملايين السنين من التحولات، صفحاته تروي قصة الإنسان السوري الذي عاش وصنع وترك أثراً لا يُمحى، وتضيف: المتحف الوطني هو عميد المتاحف السورية، يحتضن مقتنيات تعود إلى نحو مليون وثمانمئة ألف عام، من أقدم أدوات الإنسان السوري حتى التراث الإسلامي والفن الحديث. وأكدت أن المتحف يشكل مركزاً للبحث والتوثيق والتعليم، لا مجرد صالة عرض، مشيرةً إلى أن “التراث الأثري هو الأساس الذي تُبنى عليه الهوية السورية”.

حكايات من كلّ الأزمنة

في أقسام المتحف الرئيسية تذكر خوّام: لدينا حقب رئيسية تمثل تاريخ سوريا: ما قبل التاريخ، الشرق القديم، العصور الكلاسيكية، والفترات الإسلامية، وصولاً إلى الفن الحديث، في كل قسمٍ، هناك قطع لا تُقدّر بثمن، تحمل قيمة علمية وجمالية استثنائية

وتذكر أن الأبجدية الأوغاريتية هي من أقدم الأبجديات في التاريخ، وأن النوتة الموسيقية الأولى وُجدت في أوغاريت أيضاً، إضافة إلى أرشيف ماري وإيبلا الذي يوثّق الحياة السياسية والاقتصادية في الممالك السورية القديمة. يكفي أن نعلم أن الأبجدية التي غيّرت وجه الحضارة الإنسانية خرجت من ترابنا، من مدينة سورية صغيرة، لتحكي أن أول الحروف التي نطق بها التاريخ كانت سورية.

حماية التراث.. معركة مستمرة

عن التحديات التي يواجهها المتحف تبيّن أمينة المتحف أنّ أصعب التحديات تكمن في الحفاظ على القطع العضوية والمعادن والورق من عوامل الزمن، مؤكدةً أن فريق المرمّمين يعمل ضمن مختبرات متخصصة بدعم من اليونسكو والمنظمات الدولية. وتضيف: لدينا ستة مواقع سورية مدرجة على قائمة التراث العالمي، ما يجعل حماية هذا الإرث مسؤولية وطنية وإنسانية في آنٍ واحد.

من يسرق الذاكرة؟

بعض ما اقتطعناه من حوار طويل مع أمينة متحف دمشق الوطني إنما يأتي في سياق مادتنا حول حادثة سرقة التحف كخلفية تحكي ماذا يختبئ خلف جدران المتحف الوطني بدمشق؟ من هناك حيث تتسرّب أصوات الأزمنة القديمة لتذكّرنا أن سوريا لم تكن يوماً جغرافيا فحسب، بل حكاية إنسانٍ صنع التاريخ منذ فجر الحضارة. وفي ظل هذا الحدث، يبدو السؤال مفتوحاً:هل يمكن سرقة الذاكرة؟ ربما، لكن التاريخ نفسه يشهد أن الأيدي التي تمتدّ إلى تراثنا لن تفلت من ذاكرة الأرض ولا من عدالة الزمن. وقبل كل شيء نؤمن أن تلك الأيادي التي امتدت إلى تاريخنا ستجد من يردعها.

آخر الأخبار
الشيباني يرفع العلم السوري في السفارة بـ لندن خلال زيارته للمملكة المتحدة باراك يكشف تفاصيل دقيقة عن اجتماع الرئيسين الشرع وترامب الرأي العام السوري يدخل رقمياً على خط المفاوضات مع "قسد"... 65 بالمئة يرحب بالحوار تحت سقف السيادة و... اقتصاد البقاء.. هكذا يعيد السوريون بناء حياتهم بوسائلهم الخاصة البطالة المقنّعة.. وجه خفيٌّ للفساد الإداري وتشويه للمؤشرات الاقتصادية تحديات تعترض طريق المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية الإسمنت السوري بين التحدي والفرص.. من تلبية الطلب إلى رافعة للتنمية بعد فتح واشنطن أبوابها.. لماذا على دمشق تفعيل القوة الناعمة؟ تعاون أردني – سوري يرسم ملامح شراكة اقتصادية جديدة تسجيل إصابات التهاب الكبد في بعض مدارس ريف درعا بدر عبد العاطي: مصر تدعم وحدة سوريا واستعادة دورها في الأمة العربية لبنان وسوريا تبحثان قضايا استثمارية خلال المنتدى "العربي للمالية" بينها سوريا.. بؤر الجوع تجتاح العالم وأربع منها في دول عربية سوريا تعزي تركيا في ضحايا تحطّم طائرة قرب الحدود الجورجية هدايا متبادلة في أول لقاء بين الرئيس الشرع وترامب بـ "البيت الأبيض" بعد تعليق العقوبات الأميركية.. "الامتثال" أبرز التحديات أمام المصارف السورية الرئيس اللبناني: الحديث عن "تلزيم" لبنان لسوريا غير مبرر الأردن يحبط عملية تهريب مخدرات عبر مقذوفات قادمة من سوريا انعكاسات "إيجابية" مرتقبة لتخفيض أسعار المشتقات النفطية قوات أممية ترفع الأعلام في القنيطرة بعد اجتماع وزارة الدفاع