الثورة – سمر حمامة:

في زمن اعتقدنا فيه أن المشاعر آخر ما يمكن اختراقه، دخل الذكاء الاصطناعي على الخط ليغيّر قواعد اللعبة.
لم تعد الجرائم الرقمية مقتصرة على سرقة الأموال أو البيانات، بل أصبح هناك نوع جديد من الاحتيال، أخطر لأنه يسرق ما في الداخل: مشاعرنا واحتياجاتنا العاطفية.
في هذا العصر الرقمي، يمكن لشخص ما أن يظهر لك كرفيق حميم، يقرأ ردودك ويستجيب لها بدقة مذهلة، ويقدم كلمات مواساة في اللحظة المناسبة.
لكن المفاجأة هي أن هذا “الشخص” قد لا يكون موجوداً على أرض الواقع.
إنه خوارزمية، صممت لتغذية مشاعرك واستغلال نقاط ضعفك، بطريقة لا يختلف فيها شعورك عن الواقع.
تقارير حديثة تشير إلى أن حالات الاحتيال العاطفي عبر الذكاء الاصطناعي ارتفعت عالمياً بنسبة تزيد عن 400بالمئة خلال العامين الماضيين، وأن معظم الضحايا لا يكتشفون أن الطرف الآخر ليس بشرياً إلا بعد فوات الأوان.
أحد المتضررين، شاب في الثلاثينيات من عمره، قال: كنت أظن أنني وجدت شخصاً يفهمني حقاً، حتى جاء اليوم الذي طلب مني شيئاً بسيطاً، وعرفت أنه لم يكن موجوداً أبداً.
النهاية مؤلمة تتجاوز خطورة هذا النوع من الاحتيال فقدان المال.
المرشدة النفسية إيناس السعيد، تؤكد أن الضرر الحقيقي يقع على مستوى الدماغ، الدماغ لا يفرّق بين الإحساس الحقيقي والمصطنع، ما دام الوصول إلى مناطق المكافأة يتم بشكل متقن.

حين يشعر الإنسان بأنه مفهوم ومحتوى، يفرز أوكسيتوسين ودوبامين، وكأن العلاقة حقيقية.
هنا يكون التعلق قد تشكل مع جهة افتراضية، والنهاية غالباً مؤلمة.
وتضيف المضحك والمحزن في الوقت نفسه أن هذا النوع من الاحتيال لا يترك أثراً مادياً فقط.
إنه يترك ندبة شعورية، ويضعف ثقة الإنسان بالآخرين لفترة طويلة.
من منظور اجتماعي، توضح المرشدة الاجتماعية دارين السليمان أن ثقافتنا تعطي للكلمة قيمة كبيرة، وللوعود عاطفة عميقة. عندما يتم استغلال هذه القيم عبر خوارزميات، يصبح الضرر مزدوجاً: فقدان الثقة بالآخرين وفقدان الأمان النفسي.
والضحايا غالباً لا يبوحون بما حدث لهم خوفاً من السخرية.
وتشير دراسات أولية إلى أن المنصات الرقمية التي توظف الذكاء الاصطناعي في “تقديم الرفقة” أو “علاج الوحدة” تعمل على جمع بيانات نفسية دقيقة، تُستخدم لاحقاً لاستهداف الضحية في اللحظة المناسبة.
بعض الخوارزميات حتى تحاكي التأخر المتعمد في الرد، لإشعار الضحية بالاشتياق، تماماً كما يفعل البشر في العلاقات الواقعية، لكن بشكل محسوب آلياً.
التحليل النفسي لهذه الظاهرة يكشف أن الوقوع في هذا النوع من الاحتيال يشبه الإدمان.
الخطر الأكبر ليس في المال، بل في فقدان القدرة على الوثوق بالآخرين بعد الصدمة.
الضحية تعتقد أنه أحب شخصاً موجوداً، بينما الواقع أنه أحب فراغاً تقنياً.
ومع تزايد هذه الظاهرة، يبدو أن المجتمع العربي أكثر عرضة للأذى، نظراً لما يتمتع به من حساسية عاطفية قوية، ولثقافة الحياء التي تمنع الاعتراف بالوقوع ضحية، مما يجعل الضحية تتعامل مع الصدمة بمفردها، بعيداً عن الدعم.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة ولم يعد الاحتيال مجرد سرقة مالية، بل أصبح عبوراً إلى أعمق مناطق القلب البشري. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة، بل أصبح وسيطاً عاطفياً، قادراً على تشكيل مشاعرنا، وإعادة برمجة ما نعتقد أنه شعور طبيعي.
وهذا يجعل السؤال الأهم لكل فرد في مجتمعنا هل نحن مستعدون للدفاع عن مشاعرنا بنفس الجدية التي ندافع بها عن حساباتنا المصرفية؟ لأن أخطر الجريمة الرقمية القادمة لن تكون سرقة المال، بل سرقة القدرة على الحب والثقة.