الثورة – ثورة زينية:
يصادف الرابع عشر من تشرين الأول من كل عام يوم البيئة العربي، إذ تتجه الأنظار إلى ضرورة الحفاظ على النظافة ومكافحة التلوث بمختلف أشكاله، لكن في دمشق يتحول هذا اليوم إلى مناسبة للتساؤل: هل ما زال حلم المدينة النظيفة ممكناً وسط تراكم الأعباء اليومية وصعوبات الواقع الاقتصادي والخدمي؟.
بمناسبة يوم البيئة العربي هذا العام شهدت العاصمة دمشق اليوم سلسلة من الأنشطة التطوعية، التي أعادت الأمل بروح المبادرة الشعبية، ففي باب توما نظم شباب من الجمعيات الأهلية حملة قاموا خلالها بتنظيف الأزقة القديمة وحديقة خولة بنت الأزور وزراعة الزهور على الأرصفة.

وفي القصاع وباب شرقي شاركت مجموعات طلابية من جامعة دمشق في حملات توعية، تضمنت توزيع منشورات عن أهمية الفرز المنزلي للنفايات، وتشجيع السكان على التقليل من استخدام الأكياس البلاستيكية، كما باشرت مديرية النظافة في محافظة دمشق حملة واسعة لتنظيف المدخل الجنوبي للمدينة، شملت إزالة الأتربة والنفايات وتحسين المظهر العام للطريق، في خطوة لتعزيز النظافة وتحسين المشهد الحضري.
النظافة ثقافة
وصف الناشط البيئي، معاذ الشوا، هذه الأنشطة بأنها وإن كانت رمزية في حجمها، إلا أنها تعكس وعياً متنامياً لدى جيل الشباب بضرورة استعادة النظافة كقيمة مدنية وسلوك وطني، لا كخدمة عامة فقط.
مستدركاً في حديثه لـ”الثورة” أن النظافة ليست مسؤولية البلديات وحدها، بل هي ثقافة وسلوك اجتماعي يبدأ من الفرد وينعكس على المجتمع بأكمله.
وأضاف: في دمشق ما زالت بعض السلوكيات اليومية السلبية تضعف الجهود الرسمية، مثل رمي النفايات من السيارات أو ترك الأكياس خارج الحاويات، مشيراً إلى أن الحل لا يكمن في زيادة عدد عمال النظافة فقط بل في نشر الوعي المجتمعي، لأن النظافة تبدأ من البيت وتنتهي في الشارع.
تأخيرعمليات الجمع والترحيل

تواجه دمشق منذ سنوات تحديات كبيرة في ملف النظافة العامة، فمشاهد تراكم القمامة حول الحاويات في بعض الأحياء باتت مألوفة خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل البرامكة والمزة والميدان وبرزة وكفرسوسة، إضافة إلى الأزقة القديمة في باب توما والقصاع، إذ يصعب دخول آليات التنظيف.
مصدر في مديرية النظافة بدمشق بين أن المدينة تنتج نحو ٣٥٠٠ طن من النفايات يومياً، إلا أن ضيق الإمكانيات وقلة الآليات والعمال يعيق إنجاز المهام بالسرعة المطلوبة، كما تلعب الأزمات الاقتصادية دوراً في تراجع الخدمات حسب المصدر: إذ تعاني الورشات في مديرية النظافة من قدم الآليات ونقص الوقود وقطع الغيار وتسرب العمال، ما يؤدي أحياناً إلى تأخير عمليات الجمع والترحيل.
ونوه المصدر بأنه وعلى الرغم من الصعوبات تبقى هناك مؤشرات مشجعة، فقد شهدت بعض المناطق خلال الأشهر الماضية تحسناً ملحوظاً في النظافة بفضل تعاون الأهالي مع دوائر الخدمات لا سيما في المزة وكفرسوسة، إذ تم تنظيم حملات مشتركة بين السكان والفرق الخدمية، أسهمت في تحسين المشهد العام، وإعادة بعض الرونق إلى الشوارع والحارات.
الطريق إلى دمشق نظيفة
إن جعل دمشق مدينة نظيفة لا يحتاج إلى معجزات حسب تعبيرالخبيرة البيئية مازنة رسلان ، بل إلى خطة واقعية تتشارك فيها جميع الأطراف، مضيفة: تبدأ هذه الخطة بتعزيز الوعي البيئي لدى الأجيال الجديدة عبر إدخال مفاهيم النظافة وحماية البيئة في المناهج الدراسية، وتنظيم ورشات تثقيفية مستمرة في المدارس والأحياء، كما يتطلب الأمر إطلاق مشروع متكامل لفرز النفايات من المصدر بحيث تفصل المواد العضوية عن البلاستيكية والمعدنية، ما يسهم في تسهيل إعادة التدوير وتقليل الضغط على المكبات.
ولا يمكن إغفال ضرورة تحديث أسطول النظافة، وتأمين الوقود وقطع الغيار اللازمة للآليات لتفادي الأعطال المتكررة.
توضح الخبيرة رسلان، مشددة على ضرورة تطبيق رقابة فعالة وفرض غرامات على من يرمون النفايات في غير أماكنها، مع توفير عدد كافٍ من الحاويات في الشوارع المزدحمة.
في المقابل تضيف الخبيرة البيئية: يجب أن يحظى الجانب المجتمعي بالأولوية عبر تشجيع المبادرات الأهلية ودعم الجمعيات الشبابية التي تعمل في المجال البيئي، كونها الأقرب إلى الناس والأقدر على تغيير السلوكيات اليومية، مؤكدة على أن يكون للإعلام المحلي دوراً مهما في ترسيخ ثقافة المشاركة المجتمعية، وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية من الأحياء النظيفة والمواطنين الملتزمين لترسيخ فكرة أن النظافة مسؤولية مشتركة وليست واجب جهة واحدة.
بين الوعي والتحدي
يقول المهندس رامي إبراهيم، من مديرية البيئة في محافظة دمشق: لا يمكن أن تصبح دمشق نظيفة ما لم يتحمل كل مواطن مسؤوليته، فالعامل لا يستطيع تنظيف شارع “يوسخه” الناس كل ساعة، فالنظافة ليست شعاراً، بل هي انتماء حقيقي للمدينة.
ولفت إلى أن يوم البيئة العربي ليس مجرد احتفال رمزي في دمشق، بل تذكير سنوي بأن النظافة قضية بقاء تتعلق بصحة الناس وجمال المدينة وكرامة العيش فيها، موضحاً: قد تكون التحديات كبيرة، لكن الإرادة المجتمعية قادرة على تحويل العاصمة إلى نموذج بيئي يحتذى به إذا ما التزمت كل الأطراف بدورها، فدمشق التي واجهت الحروب والضغوط وخرجت واقفة تستحق أن تكون نظيفة كقلبها، خضراء كغوطتها وناصعة كالياسمين الذي كان رمزها الدائم.