الثورة – حسين روماني:

يشقّ الفنان الشاب أحمد حجازي طريقه في الدراما السورية بخطوات هادئة ومدروسة، محاولًا إثبات حضوره بعيداً عن الوساطات، مستنداً إلى موهبة درسها بجدّ في مصر، قبل أن يعود إلى سوريا ليواصل العمل ما بين الدراما والمسرح والدوبلاج، مؤمنا بأن الإصرار والمثابرة هما الطريق الأجمل نحو النجاح، على الخشبة قدّم أعمالًا مسرحية موجّهة للأطفال مثل الطيور الذكية، فلة والأقزام السبعة، علاء الدين والمصباح السحري، إلى جانب مسرحيات للكبار مثل الغنمة وسلطان زمانه وحكي سليم ولازمه فهيم، أما في الدراما التلفزيونية فقد شارك في عدد من الأعمال السورية والعربية المعروفة مثل الولادة من الخاصرة، زمن البرغوت، قمر الشام، رفة عين، تخت شرقي، لعنة الطين، وأبو خليل القباني.
في حديثه “للثورة”، يعبّر حجازي عن سعادته بعودته إلى الشاشة بعد غياب كان سببه الشللية لتقديم شخصية يراها قريبة من الناس بطابع إنساني فيه شيء من الكوميديا الموقفية غير المبتذلة. بداية حدّْثنا عن شخصيتك في مسلسل “شمس الأصيل”،- أجسد في العمل شخصية كمال، وهو أحد عناصر الكراكون، ضمن فريق “تريو” يجمعني بالفنان خالد مولوي الذي يؤدي دور اليوزباشي نادر، والفنان عمر مولوي بشخصية فرحان. الخط العام للحكاية فيه جانب كوميدي خفيف بعيد عن الابتذال، نحاول من خلاله أن نقدم نوعاً من الطرافة المرتبطة بالموقف لا بالكلمة. العناصر الثلاثة في الكراكون يعيشون تفاصيلهم اليومية، لكن أيضاً لهم حياتهم الخاصة، هذه المساحة لم تُسلّط عليها الأضواء كثيراً في الدراما السورية، لذلك نحاول تقديمها بشكل جديد.
– ما الذي يميّز شخصيات الكراكون في هذا العمل عن الأعمال السابقة؟ -في الغالب تُقدَّم شخصيات الكراكون بطريقة نمطية، تُظهرهم كرموز للسلطة أو كأشخاص قساة، لكننا هنا نحاول أن نُظهرهم كأبناء بيئتهم، كرجال من هذا المجتمع يعيشون همومه ويشاركون الناس مشاعرهم. في أحد الأحداث مثلاً، يتورط كمال بإطلاق نار يودي بحياة أحدهم عن طريق الخطأ، فيدخل في صراع داخلي بين الواجب والضمير. العمل يحمل حكاية لطيفة كتبها الأستاذ قاسم الويس بإتقان، ويُخرجه عمار تميم، وأنا أعتبر نفسي محظوظاً بالعمل مع هذا الفريق ومع زملاء أحترمهم وأتعلم منهم كثيراً.- يبدو أن بينك وبين الأخوين مولوي صداقة فنية واضحة؟ -صحيح، علاقتي بهما تتجاوز حدود العمل. جمعتنا تجارب مسرحية سابقة، مثل مسرحية “الغنمة”، وهناك انسجام كبير بيننا على الصعيد الشخصي. وجود هذه الكيمياء يجعل الأداء أكثر عفوية وصدقاً.بالنهاية، الممثل يحتاج إلى شريك يشعر معه بالأمان والارتياح، وهذا ما يحدث فعلاً بيني وبينهما. نحن أصدقاء خارج التصوير أيضاً، ونتعامل بروح عائلية.

-بعد عودتك، كيف تقيّم فرص الشباب اليوم في الدراما؟ -تحسّنت نسبياً، لازالت مرتبطة في بعض الأماكن بالشللية والعلاقات، ولكن هناك جهود واضحة من اللجنة الوطنية للدراما لكسر تلك النمطية ودعم المواهب الشابة وخلق فرص جديدة ضمن الأعمال التي يجري تصويرها حالياً بالاتفاق مع الجهات المنتجة، بالإضافة إلى بعض المنتجين والمخرجين عبر محاولاتهم لفتح الأبواب أمام الوجوه الجديدة، لكن التغيير لا يتمّ بين ليلة وضحاها.أنا شخصياً عدت بعد انقطاع طويل لأنني وجدت الدور الذي يعبّر عني، ولم أقبل أي عمل فقط من أجل الظهور، الممثل يجب أن يختار ما يقدمه بعناية، لأن كل ظهور هو امتحان جديد أمام الجمهور.
-لننتقل إلى الدوبلاج، وهو مجال لك فيه حضور لافت، ما أبرز التحديات التي تواجهكم اليوم؟ -للأسف التحديات كثيرة، أولها الأجور المنخفضة جداً، وثانيها تقلص سوق العمل، قبل سنوات كنت أعمل مع أكثر من 70بالمئة من شركات الدوبلاج العاملة، اليوم لا أتعامل إلا مع 10بالمئة منها، أي أن حجم العمل تراجع بما يقارب 85بالمئة. وهذا مؤلم، لأن الدوبلاج مهنة فتحت بيوتاً كثيرة، وهي رافد فني لا يقلّ أهمية عن أي عمل درامي، أتمنى من الجهات المعنية من نقابة ومؤسسات إنتاجية أن تعيد النظر في واقع هذه المهنة وتعيد إليها حضورها الذي تستحقه.
– كيف ترى واقع الأعمال الشامية اليوم؟ -الأعمال الشامية أصبحت بمثابة “راكور رمضاني” ثابت، فهي مطلوبة خارج سوريا بشكل كبير، خاصة على قنوات الخليج والعراق والجزائر. لذلك من الطبيعي أن تبقى حاضرة في كل موسم. لكن مشكلتها أحياناً في تكرار المواضيع وعدم نقل الصورة الحقيقية لبيئة دمشق القديمة، هناك أعمال تعيد إنتاج الصورة ذاتها عن الحارة والمختار والمشاكل العائلية، بينما المطلوب الذهاب إلى قصص جديدة أكثر قرباً من واقعنا اليوم. كذلك أرى ضرورة الانتباه إلى التفاصيل الشكلية، فمشاهد فيها عمليات تجميل مفرطة مثلاً لا تنتمي لزمن القصة ولا تعكس بيئتها، وهذا يضعف مصداقية العمل.
-القيم الأخلاقية التي عرفناها من حكايات الأجداد.. هل جسدتها البيئة الشامية اليوم؟ -إلى حدٍّ ما فقط، الأجيال الصغيرة اليوم لا تتابع التلفاز كما كنا نفعل، فهم أبناء “السوشيال ميديا”، وما يشاهدونه من الأعمال الشامية غالباً يلتقطون منه الجانب السطحي أو الكاريكاتوري للشخصيات، لا البعد الأخلاقي. من هنا أرى أن المسؤولية لا تقع على الدراما وحدها، بل أيضاً على الأسرة التي يجب أن تشرح وتفسر للأبناء القيم والمفاهيم الواردة في هذه الأعمال.- ما مدى رضاك عن مسيرتك الفنية اليوم؟ -أنا فخور بما قدمته، وإن كنت ما زلت أطمح إلى المزيد، درست التمثيل في أكاديمية خاصة في مصر، ثم الغناء الشرقي في سوريا، وعملت في المسرح والدوبلاج والتعليم للأطفال، وكتبت وأخرجت أيضاً، أنا لا أتوقف عن العمل، لكن حلمي الدائم أن أجد الدور الذي يقدمني كما أريد، ويجعل الناس يرون في أحمد حجازي ما أراه أنا في نفسي كممثل يحب الفن ويخلص له، وأكبر مكافأة بالنسبة لي هي محبة الناس، فهي الرصيد الحقيقي الذي أعتز به.


