الثورة أون لاين:
في مشهد يعكس إرادة السوريين وتصميمهم على النهوض والإعمار من جديد ومنذ تحرير حلب نهاية العام 2016 لم تتوقف ساعة العمل فمع كل يوم تدور آلات جديدة في الشيخ نجار والعرقوب والراموسة وغيرها.. وفي كل سوق تشهد المدينة نهاية أعمال ترميم أنجزتها أياد ماهرة.
من بين ركام الحرب الإرهابية عادت الأسواق الشعبية القديمة والمحال التجارية لتنهض ولتفتح أبوابها أمام قاصديها من سكان المدينة وباقي المدن السورية.. فالدمار الكلي أو الجزئي الذي لحق بهذه المدينة بفعل سنوات الإرهاب لم يقف عائقاً أمام أبنائها لإعادة دورة الحياة إلى هذه الأسواق وإطلاق العمل في العاصمة الاقتصادية لسورية.
إرادة النهوض والإعمار لم تتوقف عند الأسواق والخانات القديمة بل تعدتها إلى المنشآت الصناعية حيث عادت مئات المعامل خلال الأعوام الماضية للعمل والإنتاج ورغم المعوقات والحصار والعقوبات الغربية والأمريكية الجائرة التي يتعرض لها السوريون تحدى أبناء حلب الصعوبات وبدأت تشهد المناطق الصناعية حركة واضحة المعالم في عملية الترميم وإصلاح خطوط الإنتاج أو حتى على مستوى الصناعات الحرفية والمتوسطة ودخلت مناطق صناعية أساسية في الدورة الصناعية والتجارية مثل الكلاسة والقاطرجي والعرقوب والشيخ نجار القديم وحندرات.
هذه المناطق الصناعية التاريخية شكلت قواعد صناعية انطلقت منها أسس الصناعة السورية إلى العالم قبل أن تتعرض لدمار كبير حول معظم أبنيتها ومصانعها إلى ركام ناهيك عن تعرض منشآتها للسرقة والنهب والتهريب إلى تركيا على أيدي مرتزقة النظام التركي من الإرهابيين.
ما حدث في حلب لم يكن مستغربا بالنظر إلى ما شكلته من مركز اقتصادي مهم للدولة السورية ولإضعافها خلال الحرب كان لا بد من ضرب هذا المركز لتحقيق باقي أهداف المخطط الذي رسم لكامل سورية من وراء الحرب التي أعلنت عليها.. وفي هذا السياق يقول الخبير الاستراتيجي الدكتور كمال الجفا إنه “كان من المفترض لدى مخططي الحرب على سورية ولا سيما النظام التركي أن تكون مدن الشمال السوري بين أيديهم وخاصة حلب وأن تكون معاملها ومنشآتها الاستراتيجية تحت سيطرتهم وبالتالي ضرب القاعدة الصناعية للدولة والتي هي حتما قاعدة مالية داعمة للاقتصاد السوري بهدف السيطرة الميدانية والتجارية والصناعية والسياسية على أكبر مدن الشمال السوري.
وقال الجفا : لو نجحت هذه المؤامرة لكان من الممكن أن تقوض وتزلزل الدولة السورية بفقدانها العاصمة الاقتصادية وثاني أكبر مدينة سورية وبالتالي يكون قد تحقق نصف المشروع العثماني الإخواني منذ الأيام والأسابيع الأولى للحرب الإرهابية لكن الحسابات التركية سقطت بفضل صمود الأهالي في حلب وتضحيات الجيش العربي السوري.
صمود أهل حلب حول المدينة من بوابة لمحاولة إسقاط الدولة السورية إلى بوابة لانتصارات تتالت وقلبت الطاولة على دول العدوان وتغيرت معها خارطة السيطرة العسكرية في عموم الجغرافيا السورية التي انتشر فيها الإرهاب فما قبل حلب لم يكن كما بعدها.
ولفت إلى أن حلب هي مفتاح النصر بالنسبة لسورية.. وصمودها كان يعني إسقاط أهم أهداف المشروع التقسيمي لسورية وكان لها ما أرادت في العام وهي التي شهدت أقسى معركة في كل الجغرافيا السورية عندما أطلق النظام التركي وأدواته ما سمي “ملحمة حلب الكبرى” والتي استمرت ستة أشهر متواصلة وحولتها سورية وحلفاؤها في نهاية عام 2016 إلى معركة تحرير حلب وتتالت الانتصارات بعدها.. فمن حلب ومعركة الانتصار فيها كانت نقطة الإنطلاق نحو الشرق السوري وتوسيع حزام الأمان حولها وتأمين مصادر المياه بالوصول إلى ضفاف الفرات ومحطة الخفسة والتي كانت بوابة العبور إلى أقصى الشرق السوري بمعارك طاحنة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وخلال ثلاث سنوات من المعارك المتنقلة من الشمال إلى الجنوب إلى حمص ومحيطها وحماة وأرياف إدلب والمصالحات وتوسع دائرة الاستقطاب للسوريين المغرر بهم”.
وأشار الجفا إلى أن “انتصار حلب أثمر تمدداً وسيطرة وتحريراً لأكثر من ثلثي سورية وعودة ملايين السوريين إلى قراهم ومدنهم وعودة الاستقرار الزراعي والصناعي والتجاري إلى جميع المناطق المحررة وكان لحلب النصيب الأكبر من هذه النهضة العمرانية وإعادة الإعمار في كل المجالات وخاصة بعد تحرير كامل القطاع الغربي من المحافظة وتأمين عمق استراتيجي وخطوط دفاع آمنة حول القطاع الغربي تزيد على 20 كم وهذا ما أخرج المدينة بالكامل خلال عام 2020 من دائرة الاستهداف المدفعي والصاروخي للتنظيمات الإرهابية”.
ومع مرور عشر سنوات على الحرب الإرهابية على سورية تظهر حلب وأهلها اليوم نموذجاً لباقي المناطق السورية المحررة وتثبت أنها قادرة على النهوض والبناء متسلحة بإرادة الصمود التي أظهرها الشعب السوري طيلة السنوات الماضية والوعي لما كان يخطط لبلدهم والإيمان بحتمية انتصار الجيش العربي السوري.