الثورة أون لاين – ناصر منذر:
مسألة عودة المهجرين لم تزل على رأس اهتمامات الحكومة السورية، فهذه المسألة إضافة إلى أنها قضية إنسانية لسورية، فهي تعتبر أيضا قضية وطنية، ولاسيما أن كل منزل في سورية يهتم بها، وهي تشكل الأولوية الأولى خاصة بعدما تم تحرير جزء كبير من الأراضي من نير الإرهاب وداعميه، والدولة السورية تبذل كل ما بوسعها لتسهيل عودة المهجرين واللاجئين بعد تهيئتها الظروف المناسبة لذلك، ولا تنفك عن توجيه الدعوة لجميع المهجرين دون استثناء للعودة إلى وطنهم والمساهمة في إعادة إعمار ما دمره الإرهاب.
المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والذي عقد بدمشق في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، جاء في إطار استمرار السياسة السورية الهادفة إلى إعادة المهجرين واللاجئين وتسليط الضوء على قضيتهم الإنسانية والوطنية ووضع حد لمعاناتهم خارج وطنهم، وقد وجه هذا المؤتمر رسالة واضحة للدول الغربية المنخرطة بالحرب الإرهابية على سورية وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالتوقف عن عرقلة عودة هؤلاء المهجرين، والتوقف أيضا عن تسييس وضعهم الإنساني، ولاسيما أن تلك الدول هي من ساهمت بتهجير السوريين بفعل دعمها المتواصل للإرهاب، وهي لا تزال تمارس أبشع أشكال الإرهاب الاقتصادي المتمثل بالحصار والعقوبات، بهدف تجويع السوريين ومنع المهجرين من العودة إلى وطنهم.
سبق للحكومة السورية أن شكلت هيئة تنسيق خاصة لعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها بفعل الإرهاب، واتخذت كل الإجراءات اللازمة لذلك، إلا أن حل هذه القضية لم يزل يواجه الكثير من العقبات التي تضعها منظومة الإرهاب والعدوان، التي تعرقل كل الجهود الرامية لتسهيل عودتهم، ولاحظنا كيف مارست الدول الغربية التحريض، والضغط بحق بعض الدول لثنيها عن المشاركة في المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين العام الماضي، كجزء من سلسلة العراقيل التي تهدف من ورائها أميركا وأتباعها الأوروبيون لإبقاء هذه القضية كورقة ضغط وابتزاز، على أمل تحصيل مكاسب سياسية، تعوض فيها تلك الدول عن هزيمة مخططها ومشروعها الإرهابي في سورية.
الدولة السوية تعمل بشكل حثيث على تأمين متطلبات عودة المهجرين من إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة من الإرهاب وتفعيل كل الخدمات في المناطق المحررة وتأمين احتياجات المواطنين، وقد أنجزت حتى الآن العشرات من المشاريع الخدمية في مختلف المحافظات، رغم الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الشعب السوري، وتعمل بشكل متواصل على إنهاء معاناة المهجرين في المخيمات التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الأميركي والتنظيمات الإرهابية، كمخيم الركبان في منطقة التنف، وهي استقبلت كل الذين سمحت لهم العصابات الإرهابية بمغادرة المخيم وأمنت لهم كل ما يلزم من الإيواء المؤقت والرعاية الصحية والغذاء والتدفئة واللباس والوثائق الشخصية والسماح لمن يرغب بالمغادرة إلى المكان الذي يريد، وكذلك تعمل على إنهاء معاناة الأهالي في مخيم الهول الواقع تحت سيطرة ميليشيا “قسد” العميلة للاحتلال الأميركي والذي يقيم فيه عشرات آلاف الأشخاص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
رغم الخيبات والهزائم المتتالية التي تمنى بها مخططات الغرب الاستعماري، إلا أن أميركا وأتباعها لا تريد الاعتراف بهزيمة مشروعها، والمتاجرة بقضية المهجرين ترى فيها إحدى الأوراق الضاغطة لتحصيل تنازلات سياسية، ولاسيما أن المهجرين بحال عودتهم سيكون لهم دور مهم في مرحلة إعادة الإعمار، فالكثير منهم من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية، وهذا يتعارض مع رغبة الغرب في منع عودة التعافي للدولة السورية، ولذلك نراه يتمادى باستخدام سلاح العقوبات والحصار، للتأثير على مسألة عودة المهجرين، وبالتالي إخراجهم من معركة إعادة إعمار ما دمره الإرهاب وداعميه، ولاسيما أن جميع السوريين يحدوهم الأمل الكبير بعودة المهجرين إلى الوطن، وإلى أرضهم وبيوتهم ومعاملهم، للنهوض ببلدهم مجددا.
معظم العالم بات يدرك بأن الغرب الذي يمنع عودة المهجرين هو نفسه سبب تهجيرهم ولجوئهم، والأمم المتحدة أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية لتغاضيها عن جرائم الإرهابيين، ولانسياقها وراء مسألة تسييس الوضع الإنساني للمهجرين في دول اللجوء، تماهياً مع السياسة العدوانية الغربية، حيث يتعرض المهجرون السوريون بمخيمات اللجوء في الدول التي هربوا إليها بفعل الإرهاب، لشتى أنواع الضغوط والترهيب النفسي، وحرق مخيماتهم كما حصل في لبنان، فضلا عما يتعرضون له من اعتداءات متكررة للتضييق عليهم في أماكن لجوئهم في الدول الأخرى، الأمر الذي بات يحتم على الدول المهتمة بهذه القضية الإنسانية التكاتف لوضع حد لمعاناة المهجرين، ومطالبة الدول المعرقلة برفع قيودها، والعمل على تسهيل عودتهم.