الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
سعى المبدعون عبر نتاجهم إلى التقاط مفردات انتصارات حرب تشرين التحريرية وإعادة تقديمها ضمن أعمال تترجم اللحظة بحميميتها وعمق صدقها وتفاعل الناس بها والتفافهم حولها ، فجاءت الأعمال عفوية صادقة تحمل قدراً كبيراً من شعور التلاحم بين أفراد الشعب والمقاتلين في الجيش العربي السوري الذين سطروا ملاحم البطولة وعهدهم الانتصار لوطنهم مؤكدين أنهم هم من يصنع الفعل ومن يقول كلمة الحسم في أرض الوغى ، لا يهابون الموت ويقدمون أنفسهم قرباناً على مذبح الفداء للوطن الغالي . وقد سعت الدراما التلفزيونية إلى إبراز هذه الصورة النبيلة عبر أعمال بات العديد منها اليوم يعتبر من كلاسيكيات الدراما السورية خاصة أنها امتلكت هويتها المتفردة ، ولعل من أكثر الأعمال حضوراً في الأذهان تمثيلية بعنوان (عواء الذئب) والمأخوذة عن قصة حقيقية ، وهي من إخراج شكيب غنام وتأليف خالد حمدي الأيوبي وأدى دور (ديب بو عمر) الفنان صلاح قصاص وهي من إنتاج التلفزيون السوري عام 1974 والتي قال فيها قصاص جملته الشهيرة (ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة) التي زُرعت في وجدان كل منا وترسخت في الذاكرة الجمعية عبر الزمن ، وتعكس في أحد أوجهها وبدفء كبير كيف تعاطت الدراما التلفزيونية مع انتصارات حرب تشرين التحريرية منذ البداية ، ونتابع ضمن مجريات التمثيلية ومن خلال صوت المذياع أخبار انتصارات الجيش العربي السوري وإسقاطه للطائرات الإسرائيلية ، وكيف يتحول المطلوب للعدالة إلى مناضل يقوم بالقبض على طيار اسرائيلي رافضاً ما يقدمه له من إغراء مادي لإطلاق سراحه مفضلاً تسليمه للجهات المعنية .
استطاعت الأعمال التي أُنجزت عن حرب تشرين التحريرية تقديم مشاهد لا تنسى ، منها على سبيل المثال مشاهد زفة الشهيد والزغاريد التي تُطلق عندما تعرف الأم نبأ استشهاد ابنها في ساحة المعركة ، ولكن عادة لا يأتي محور الحرب وحيداً في العمل الدرامي وإنما يكون ضمن سياق حكاية تظهر عمق الروح الوطنية لدى الناس عموماً ومن ثم تتحول الأحداث باتجاه حرب تشرين لتصبح هي المحور الرئيسي بشكل أو بآخر ، ومن الأعمال التي تم إنتاجها أيضاً ضمن هذا الإطار تمثيلية (العريس) إخراج شكيب غنام وإنتاج عام 1975 وفيها يرفض الأب تقبل التعازي بابنه الشهيد مفضلاً أن يقيم له عرس يتلقى فيه التهنئة لأن ابنه استشهد في ساحة الوغى . أما (حكاية من تشرين) التي أخرجها هاني الروماني عام 1979 عن نص لعدنان حبال فكشفت جبن الجندي الإسرائيلي ورصدت الانتصارات التي حققها جيشنا ، في حين تناولت تمثيلية (شجرة الورد) حكاية شاب يجهد للاعتناء بشجرة ورد في منزله لكنه يستشهد فيما بعد في الحرب أثناء دفاعه عن الوطن والتمثيلية من تأليف وإخراج محمد الطيب وإنتاج عام 1981 ، ومن الأعمال المؤثرة أيضاً (الولادة الجديدة) إخراج غسان باخوس وتأليف إلياس ابراهيم وإنتاج عام 1984 ونالت جائزة تقديرية من مهرجان التلفزيون العربي الثالث في تونس وتحكي عن الروح الأصيلة التي يتمتع بها الجندي السوري متناولة حكاية عائلتين بينهما خلاف كبير ولكن تسقط الأحقاد كلها أمام عظمة الذود عن الوطن حيث يقف شابين من العائلتين جنباً إلى جنب في المعركة ويقاتلان معاً ببسالة وعندما يصاب أحدهما يسعفه الآخر ، ويضاف إلى ذلك كله العمل الدرامي (سهرة من تشرين) المؤلف من خمس سهرات تلفزيونية بإشراف المخرج شكيب غنام وإنتاج عام 1990 .
قدمت الدراما التلفزيونية السورية أعمالاً هامة حول حرب تشرين التحريرية من عدة زوايا ، والكثير منها حقق حضوراً هاماً وترك أثره العميق لدى الجمهور عاكساَ جزءاً مما حققه الجيش السوري من بطولات ، إلا أنه بعد مضي كل هذه السنوات نجد فقراً وشحاً في إنتاج مسلسلات ضخمة إنتاجياً تتناول تفاصيل هامة عن بطولات الجيش وانتصاراته وتضحياته في حرب تشرين وتجليات وانعكاسات ذلك كله على المجتمع . فهي حدث يستحق أن تُنجز عنه أعمال كبيرة تعطي الموضوع حقه من المعالجة والطرح على الصعيدي الشكل والمضمون .