الثورة – رفاه الدروبي:
أدب السجون نوع أدبي يختص بالأدب المكتوب عندما يكون الكاتب مقيداً في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية، ويمكن أن تكون الأدبيات حول السجن، أو عن مرحلة قبله، أو مكتوبة أثناء إقامة الكاتب فيه، ويمكن أن يكون عبارة عن مذكرات أو قصص أو محض خيال.
سوريا نموذجاً
يُركِّز أدب السجون على توثيق الحياة اليومية داخل الزنازين، ومحاولات السجناء الصمود أمام عنف جسدي ونفسي، إضافة إلى استكشاف الجوانب الإنسانية العميقة في حياة المعتقلين.
تتناول أعمال الكتَّاب أساليب التعذيب الوحشية، والعلاقات بين السجناء، وأثر السجن في الروح البشرية في العديد من الدول، وخاصة فلسطين في ظل الاستعمار الصهيوني وسوريا والعراق وغيرها.
اعتقل النظام السوري البائد من الكتّاب والمثقفين وأصحاب القلم، أو حتى مَنْ رأوا الظلم ولم يستطيعوا السكوت عنه، وولدت أعمالهم – من رحم المعاناة- رواياتٍ وأشعاراً وقصائد وكتباً تحمل شهادات المعتقلين وعائلاتهم، وتوثِّق ما ذاقوه من جحيم خلف القضبان، وتبقى تلك الذاكرة الأليمة في أذهان الجميع، حتى لا ينسوا هؤلاء المعذبين مَنْ ناضلوا من أجل الحرية، ولم تُخفهم معارضة النظام الظالم المستبد، وصاغت من تلك اليوميات والروايات فنون الألم، وسردت صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وانتهاك الإنسان وكرامته.
أضحت فصول المعاناة المسطورة تلك شاهداً تاريخياً على أكثر من نصف قرن من حكم البعث، وصارت عذابات المعتقلين والناجين قصصاً تروى بعد أن كانت صرخات تدوي في جحيم سجون ديكتاتور سوريا البائد.
أهم الأعمال
أبرز الأعمال في السجون السورية روايات “القوقعة” “يوميات متلصص” مصطفى خليفة، “يسمعون حسيسها” “ياصاحبي السجن” أيمن العتوم، “تلك العتمة الباهرة” بسام حجار، شرق المتوسط عبد الرحمن منيف، إضافة إلى رواية “خمس دقائق وحسب” تسع سنوات في السجون السورية” للكاتبة هبة الدباغ نتيجة اعتقالها بدلاً عن أخيها، رغم عدم انتمائها لأي فصيل سياسي، حيث كشفت فيها أحوال النساء في سجون النظام وأشكال عذاب ومرارة فراق الأهل والعائلة.
“القوقعة”
تتلخَّص أحداث” قوقعة” خليفة عن سخرية القدر واعتقاله بتهمة الانضمام لجماعة “الإخوان المسلمين” رغم أنَّه مسيحي، خطتها أنامل الكاتب باسم مستعار لأنَّها صدرت في ظل نظام ديكتاتوري عرض الرواية بشكل تقليدي، أما العقدة فتبدو من بداية الحدث وتستمر حتى اللحظات الأخيرة ليفكك خيوطها بشكل تدريجي حسب ما جرت الأحداث معه.
تعتبر رواية “القوقعة” واحدةً من أكثر روايات أدب السجون العربية شهرةً، لذا تُرجمت إلى 10 لغات، إذ صدرت للسينمائي السوري المسيحي مصطفى خليفة في عام 2008، وكانت صفعة مدوية لكلِّ الخائفين والراضين بالقمع والاستبداد.
بدأت الرواية بعرض مجريات أحداث ما تعرَّض لها شاب طموح أنهى دراسة الإخراج السينمائي في فرنسا، حيث كان يتبادل أطراف الحديث مع أصدقاء له، وأثناء السهرة يزل لسانه عن الرئيس، ولا يعلم ما بيَّت له أحدهم، وعند وصوله إلى مطار دمشق يلقى القبض عليه، ويمكث 13 عاماً في سجن تدمر ليذوق عذابات الحرمان والمرارة والأسى دون أن يعرف التهمة الموجهة له.
” فلا المعتقلين من جماعة الإخوان يصدقون أنَّه مسيحي؛ ولا المخابرات تصدِّق انتماءه، فكان ينتظر الموت في كل لحظة، سواء بالمحاكمات الميدانية القاضية عليه بحكم الإعدام، أو حين يريد ضابط إشباع ساديته بضرب وتعذيب أحد المعتقلين.
عذابات السجن
أورد خليفة عذابات السجن والتعذيب والإهانة، إذ لجأ إلى تغطية رأسه ببطانيَّة، تُمكِّنه من رؤية أحداث واقعية صعبة غير إنسانية لحظة بلحظة جعلته يتابع ما يجري في ساحة السجن من خلال ثقب وشق في الجدار، فيصف الأحداث المليئة بالإعدامات شنقاً ورمياً بالرصاص وسط كيل من الإهانات، لا يمكن أن يتحمَّلها عقل.
بعد مرور ثلاثة عشر عاماً تبحث عائلته عنه ثم تستطيع الوصول إليه ويخرج البطل من السجن بعد محاولات حثيثة لإصدار قرار بالإفراج عنه، بيد أنَّه يكون في حالة نفسية صعبة تُثقل كاهله سنوات التعذيب والألم والقهر، ويكون غير قادر على الانسجام مع العالم الخارجي، ويكتشف في النهاية أنّ كل ما عاشه كان بسبب تقرير كتبه عنه أحد الأشخاص أثناء وجوده في فرنسا.
ميزات الرواية
تمتاز الرواية بمجموعة من الخصائص والسمات الفنية، منها: الدقة في التصوير، وسرد تفاصيل عاشها البطل، والاهتمام برسم شخصياتها، لدورها الكبير في تسيير الأحداث وتطورها، وسيطرة العنف والمشاهد القاسية على أحداثها، وكشف المكان فيها وعلاقته بالأشخاص ومدى تأثرهم به، وتوظيف التقنيات السردية المتنوعة في العمل الأدبي ذاته.
#صحيفة_الثورة