الثورة – لميس علي:
في خضم التسارع الملحوظ لعالم اليوم، غالباً ما تتسم الكثير من الأفعال من حولنا، بكونها (باهتة).. يتم القيام بها لأنها “روتين”، أو تحصيل حاصل، أو رفع عتب.
أين الأصيل والحقيقي في كل ما تقوم به..؟
كيف تخلق أثراً يترك معنى..؟
كيف تحلّ شيفرة أن توجد “بعمق”..؟
(“الانتباه/الاهتمام” هو أندر وأصدق أشكال السخاء)، على رأي الفيلسوفة “سيمون فايل”، لأن فيه تشغيلاً لأرقى أشكال (الحضور) بما يعنيه من (وعي)..
أن تنغمس بكل حواسك وانتباهك بما تفعل.. بما تشاركه مع الآخر..
أن تحضر “بكثافتك الداخلية”، وتغرس بصمتك بكل فعل تقوم به حتى لو كان يومياً اعتيادياً..
أن تحضر بكّلك وليس بجزئك، مدركاً الفرق بين (الظهور والحضور).. أي أن تتقن تركيز حضورك، وليس مجرد ظهورك، في اللحظة وما ينبت عنها من فعل.
اختصر “يونغ” فقال: (أنت ما تفعله لا ما تقول أنك ستفعله)..
(أليس الفعل هو النشاط الذي يفصح من خلاله الإنسان عن ذاته)، بالنسبة ل(أرندت)..؟
لكن ليس أي فعل..
عن أي نوع من الأفعال تحدّثت..؟
وأيها نحتاج كي نخلق حضورنا الفعال والحقيقي، القادر على أن يتحوّل لأثر..؟
وكأننا نقصد (أفعالاً نوعية) ليس بحجمها ومدى عظمتها، مقدار ما يعنينا صدقها وانغماسها بالنوايا الحقيقية..
باختصار، أن تتجسد أنت “بالحضور النوعي” في الفعل والانتباه والوعي..
أن تكون موجوداً، لا أن تمثّل وجودك.
في كتابه (الوجود والزمن)، تحدث “هايدغر” عن الكيفية التي يوجد فيها الإنسان، وكيف يتصرّف بشكل (أصيل) أو (زائف).. فالأفعال في فكره لا تقاس بنتائجها، بل بجذورها، بنيتها، وصدقها، ومدى ارتباطها بالآخر.
وبالتالي أنت أصيل وحقيقي بمقدار صدق فعلك وبحسب نظافة جذوره وتوجّه نيته وبمدى ما تقدم للآخر.
وفق كل ذلك، يتحوّل فعلك لأثر لا يُنسى..
لأن مصدره نابع من داخلك، من كلّك.. من الجوهر الحقيقي الذي ينبئ بصفاء حضورك ودقة انتباهك.. وبالتالي تحصيل وتحقيق (الانفتاح الصادق على الوجود) سواء مع ذاتك أو مع الآخر.
على هذا النحو، تحقّق وجودك.. أي أن توجد، لا أن تتواجد.
لكي تكون، بحسب “هايدغر” أيضاً، (يجب أن تدخل في فعل وتفاعل مع العالم).