الثورة – ثورة زينية:
لطالما استخدم حجر اللبون وهو نوع من الحجارة البازلتية المستخدمة في البناء، خاصة في المناطق القديمة للحفاظ على الطابع المعماري للمدن القديمة.
ولعل أسواق دمشق القديمة بشكل خاص تشهد على مدى الاستخدام الواسع لهذا الحجر في شوارعها وأزقة الأحياء القديمة لما يتمتع به من منظر جمالي وتعزيز لطابع دمشق التراثي الأصيل، إضافة لقدرته على الصمود في وجه العوامل الجوية المختلفة.
ضياع الغاية الجمالية
ولكن التركيب السيئ لهذا الحجر في بعض الأماكن جعل منه مشكلة بدل أن يكون حلاً.! وكل مشاريع رصف حجر اللبون في مختلف مناطق دمشق كانت تتم تحت عنوان التجميل يستهدف تعزيز الصناعة المحلية وحماية السيارات والمواطنين وتحسين المظهر العمراني للمدينة، لكن في الحقيقة كان الواقع مغايراً وتحولت هذه المشاريع مصدراً لنهب المال العام عبر المتعهدين الذين كان ينفذون هذه الأعمال.
ففي محيط المتحف الوطني بمنطقة فكتوريا- وسط العاصمة على سبيل المثال- تم تركيب حجر اللبون منذ عدة أعوام لكن هذا الحجر البازلتي الأسود ضاعت الغاية الجمالية الحقيقية منه بسبب سوء التركيب والعيوب الكثيرة التي ظهرت بعد فترة قصيرة من تركيبه، والحال ينطبق كذلك على محيط ساحة العباسيين.. “الثورة” استطلعت آراء معنيين بهذا الأمر ومواطنين.
يقول المواطن ماهر دوه جي لـ”الثورة”: إن الحجر الذي تم تركيبه في محيط المتحف لم يكن خياراً صائباً كون محيط المتحف هو عبارة عن شوارع لتدفق السيارات بشكل كبير من عدة محاور، إضافة لوجود مركز كبير لانطلاق الباصات والميكروباصات تحت جسر الحرية، الأمر الذي دمر الحجر بسبب ضغط المرور المستمر عليه وحوله لمصدر أذى وخطر للمارة من انزلاق أو تعثر بفعل الهبوطات والشقوق بين صفوف الحجر المتراصفة، إضافة للضرر الذي بات يلحقه بإطارات السيارات والمركبات التي تمر عليه.
تخريب سوق شعبي تراثي
وفي سوق باب سريجة- الذي يعتبر من الأسواق الشعبية القديمة في دمشق، ويعود بناؤه إلى العهد المملوكي، ويشتهر ببيع المواد الاستهلاكية ولاسيما الخضراوات والفاكهة، وصف عدد من أصحاب المحال الذين التقتهم “الثورة” أن ما كان يحدث باستمرار من عمليات ترميم وإعادة رصف لأرضية السوق خلال الأعوام الأخيرة قبل سقوط سلطة النظام البائد بـأنها تخريبية وسط عدم قدرتهم على فعل شيء، يضاف إليها عدم التزام المحافظة بمدة تنفيذ مشروع الترميم، الأمر الذي كان يحملهم خسائر كبيرة، مضيفين: إنه ومقابل تخريب سوق شعبي تراثي كسوق باب سريجة كانت محافظة دمشق ومديرية الآثار آنذاك ترفضان إعطاء سكان حي باب سريجة موافقات إدارية لترميم معظم منازلهم القديمة، والمبنية من الطين واللبن، والمعرضة لانهيارها فوق رؤوس ساكنيها، وبالفعل كانت حدثت عدة انهيارات لمنازل في دمشق القديمة فوق رؤوس ساكنيها نتيجة لرفض ترميمها من قبل الجهات المعنية في محافظة دمشق آنذاك تحت ذريعة تغيير مواصفات في منطقة تعد شريحة أثرية.
مقترحات لتحسين تركيبه
وللوقوف على أسباب سوء التنفيذ وكيفية تلافيها في القادم من الأيام بما يخص تنفيذ مشاريع من هذه النوع التقت “الثورة” عدداً من المختصين في هذا المجال.
خبير تخطيط المدن المهندس ربيع الطويل أكد أن المشكلة التي أوصلت واقع حجر اللبون المنفذ في عدد من ساحات وشوارع أسواق المدينة إلى هذه الحالة من التنفيذ السيئ من هبوط أو تفكك الحجر هو التركيب غير المحترف من عدم احترام الفواصل وطبقات الأساس وتطبيق المعايير الفنية (خرسانة مسلحة تحت الحجر+ مؤونة عالية الجودة) إضافة للتصميم غير المناسب واستخدام حجر غير مطابق للأصل التراث وضعف إشراف تعزيز الرقابة خلال التنفيذ.
وأشار المهندس الطويل إلى مقترحات عملية لتحسين تركيب وصيانة حجر اللبون في دمشق، تجمع بين الحفاظ على الطابع التراثي وتحقيق الجودة والمتانة تتلخص في تحسين التنفيذ الفني من خلال إعداد الأساس بشكل علمي واستبدال الطرق التقليدية في تسوية الأرض بآليات حديثة لقياس مستوى الميل والانحدار واستخدام خرسانة مسلحة بحديد شبكي تحت الحجر لتقليل الهبوط والتفكك.
وأضاف: من الضرورة استخدام مواد تثبيت عالية الجودة واعتماد مؤونة لاصقة حديثة مقاومة للرطوبة والتغيرات الحرارية، واختبار جودة المونة في المخبر قبل بدء العمل، ولاسيما في المناطق التي تتعرض لحركة سير ثقيلة، يضاف إليها تركيب الحجر بفواصل تمدد دقيقة من 3-5 أمتار لتجنب التشقق عند التمدد الحراري، وتعبئة الفراغات بين الحجارة بمادة مرنة مقاومة للماء مثل السيليكون المخصص للرصف الخارجي، مؤكداً على ضبط الإشراف والمراقبة من خلال إلزام المتعهدين بخطة إشراف دقيقة وإشراك مهندسين مختصين بالتراث للإشراف الفني، خاصة في المدينة القديمة وتوثيق مراحل العمل بالصور وتقارير يومية لتقييم الأداء وتطبيق غرامات على الأعمال الرديئة، وإنشاء نظام شكوى إلكتروني فوري يسمح استخدام تقنيات
المهندسة المعمارية رنيم الزعتري أكدت أنه وللحفاظ على الطابع التراثي ينبغي اختيار حجر مطابق للمواصفات الأصلية على أن يكون حجر اللبون من النوع البازلتي أو الكلسي المحلي بألوان طبيعية غير مصبوغة لحماية المظهر من التغير مع الزمن والعودة لنقوش الأرصفة التقليدية، واعتماد نماذج من أرصفة دمشق القديمة (مثل أرضيات سوق مدحت باشا أو باب شرقي كنمط رسمي في تركيب الحجر، يضاف إليها دمج الحجر بالبيئة من خلال إضافة عناصر خضراء بين كتل الحجر في بعض الساحات العامة مع إنارة خفية أو شمسية مدمجة وتركيب وحدات إضاءة صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية ضمن الحجر أو على أطراف الأرصفة.
وشددت على ضرورة إعداد جدول زمني دوري لصيانة مناطق رصف حجر اللبون، مع تخصيص فرق صغيرة تعمل بالتناوب، واستخدام تقنيات مثل الحجر القابل للإزالة وإعادة التركيب لتسهيل التصليحات.