الثورة – لميس علي:
في كتابه (تاريخ سوريا الحضاري القديم) يتحدث المؤرخ والباحث السوري يوسف داوود عن معنى “الهوية” وكيف تماهى لدرجةٍ كبيرة مع “اللغة”.. (فبقيت اللغة العربية على اختلاف لهجاتها هي الهوية الحقيقية للإنسان العربي الذي يتعرّف بها ومن خلالها على ماضيه وتراثه). فاللغة هي التي تميّز الانتماء والهوية، بحسب داوود، والتي يقصد بها لغة سكان الأرض العربية على اختلاف لهجاتهم.
يستنتج داوود أن السريانية والأمورية والعربية لهجات شقيقات ثلاث للغة واحدة، وهذه اللغة هي (العربية).. متسائلاً: هل يجوز أن تكون العربية هي اللغة الأم وهي إحدى لهجات هذه اللغة في آن معاً..؟
يستخلص أن (اللغة العربية هي اللغة الأم واللهجات العربية الأساسية ثلاث: السريانية والأمورية والعربية النقيّة التي حافظت على نقاوتها في شبه جزيرة العرب في الحين الذي تأثّرت السريانية والأمورية بما يجاورهما وبفعل عوامل أخرى كثيرة).
من المعلومات التي ذكرها وجود السريان والأموريين على التخوم العليا المجاورة لشبه جزيرة العرب في الشمال والشرق.
ترجح مصادر تاريخية أن تسمية سوريا جاءت من السريانية.. ويذكر داوود إجماع كل المصادر العربية على اعتبار آدم الرسول وكثيرين من أحفاده سريانيين..
وبالتالي.. لنا أن ندرك مدى (قدم) الحضارة والهوية السورية وامتدادها في عمق التاريخ.
في مؤلّفه (تاريخ سوريا الحضاري القديم التاريخ الحقيقي للإغريق) ناقش الباحث كون الحضارة الإغريقية تعود بأصلها إلى (السوريين)..
وأكد أن أسماء المدن والأمراء والشعراء والمسرحيين اليونانيين القدماء تعود لتسمية عربية قديمة، فهي موجودة المعاني إما بالعربية الفصحى أو باللسان السرياني. وكل ما لديهم من حضارة وبرلمان وألعاب أولمبية هي سورية قديمة.. على سبيل المثال وُجد في مدينة عمريت الأثرية في الساحل السوري أول ملعب أولمبي في العالم سابق على ما وجد في اليونان بمئات السنين، كما أكّدت دراسات حديثة يوثّقها الباحث في كتابه.
إذاً، وبحسب قناعة داوود الهوية تلتصق باللغة.. لكن ذلك لم يمنعه من التساؤل: ماذا أصبحت اليوم..؟
لعلها أصبحت أكثر ديناميكية..
غير ثابتة.. متغيّرة.. بحسب الشاعر والمفكّر أدونيس.. (فهوية المرء فيما يبدع ويعمل) وبالتالي هي متحركة.. قابلة للتطور دائماً.
من أجمل صيغ تعريف الهوية ما ذكره الفيلسوف جون لوك (الهوية تذكّرٌ للذات)..
ويجوز أن نصيّرها (إبداعاً للذات) في مجال متحرّك على الدوام.
من الجميل أن نتذكّر أنفسنا، نحن السوريين، كأجمل ما يكون التذكّر..
بمعنى أن نتقن الاستمرار بصنع هوية متجدّدة منسجمة مع صيغ الحاضر وآفاق المستقبل..
لتبدو صيرورةً تربط تلك العظمة التي تحدّث عنها داوود، مع الفاعلية الحركية والتجدد المستمر الذي صاغه أدونيس، فنخلق بصمتنا الخاصة.. وأجمل ما فيها من خصوصية قدرتنا على تخطي صعاب 14 عاماً مرت.
ربما علينا أن نستمر بإنتاج “صيغة” هويتنا السورية “الخاصة”.. لتكون فعل تذكّر لذات متجددة تؤمن بالحركة إبداعاً وفكر نيّراً..
فالتجربة السورية غنيّة ولا تشبه إلا نفسها على الرغم من مآسيها وقسوتها، أثبتت أننا ورثة تلك الروح الوثّابة المتجدّدة.. وأننا أبناء الفينيق.
#صحيفة_الثورة