صراع المشاريع بعد الحرب.. ماذا بقي من المواجهة بين إيران وإسرائيل؟

بقلم: أحمد الياماني

انتهت الحرب بين إيران وإسرائيل. انتهت من حيث تبادل الضربات المباشرة، لكنها بدأت من حيث الحسابات الجديدة، والمراجعة العميقة لأدوات النفوذ، وحقيقة موازين القوى في الإقليم. لم تكن تلك الحرب مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل لحظة فاصلة أعادت رسم خطوط التأثير، ووضعت مشاريع التوسع تحت المجهر، وكشفت أن منطق الحرب لم يعد يكفي لضمان استمرارية النفوذ.

لأكثر من ثلاثة عقود، خاضت إيران صراعاتها عبر أذرع إقليمية، من “حزب الله” في لبنان إلى الميليشيات في العراق وسوريا واليمن. لكنها في هذه الحرب وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها بالأصالة، بعد أن أصبحت الضربات الإسرائيلية تطال العمق الإيراني، وتستهدف القيادات العسكرية ومراكز الأبحاث النووية الحساسة، فضلاً عن تفكيك تدريجي لشبكات نفوذها في الخارج. الحرب فرضت على طهران تغيير قواعد اللعبة، ووضعتها في موقف دفاعي لم تعتده.

لقد شكّلت نهاية هذه الحرب محطة تأمل بالنسبة للنظام الإيراني. تلقّى مشروع “محور المقاومة” ضربة مزدوجة: الأولى عسكرية أضعفت البنية القيادية والتنظيمية للحرس الثوري، والثانية أخلاقية فضحت التناقض بين الخطاب والشعار. فإيران التي لطالما رفعت شعار “تحرير القدس”، لم تتحرك فعلياً حين كانت غزة تُقصف، ووجدت نفسها تخوض معركة لا من أجل فلسطين، بل من أجل حماية عمقها الاستراتيجي.

وقد تعمّق النفور الشعبي العربي من المشروع الإيراني نتيجة دعمه العلني والدموي للنظام السوري في قمع ثورة شعبه منذ عام 2011، وما ارتكبته الميليشيات المدعومة من طهران من فظائع بحق المدنيين في سوريا والعراق واليمن. هذا التوسع الإيراني لم يعد يُنظر إليه إلا كوجه آخر من أوجه الهيمنة الطائفية والاستبداد.

وفي الوقت ذاته، لا يشعر العرب بالأمان حيال إسرائيل، التي يقودها اليوم تيار يميني متطرّف، لا يحترم المواثيق الدولية ولا يلتزم بتعهداته، بل يمضي قدماً في مشاريع استيطانية وعدوانية تهدد أمن الفلسطينيين والمنطقة بأسرها.

من جهتها، نجحت إسرائيل في توجيه سلسلة ضربات قاسية أثّرت بعمق على البنية العسكرية الإيرانية، وأثبتت قدرتها الاستخباراتية على اختراق المنظومة الأمنية لطهران. لكن الانتصار العسكري لم يُترجم حتى اللحظة إلى مكسب سياسي مستدام. فالحرب كشفت عن هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعن الانقسامات المتصاعدة داخل المجتمع، فضلاً عن تزايد المخاوف من حرب استنزاف طويلة على أكثر من جبهة.

كما أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، تدرك أن خوض حروب مباشرة مع قوى غير تقليدية — سواء في غزة أو لبنان أو سوريا — لن يحقق أمناً دائماً، بل قد يؤدي إلى انفجارات جديدة لا يمكن السيطرة على تداعياتها. لذلك، بدأت النخبة السياسية في تل أبيب بطرح أسئلة جدية حول فاعلية النهج الأمني وحده، دون مسار دبلوماسي أو حل سياسي أوسع.

كعادته، كان العالم العربي الغائب الأكبر في هذا الصراع. دارت المعارك على أراضيه، ووقعت الانفجارات في مدنه، وسُفكت الدماء باسم قضاياه، لكنه لم يكن حاضراً في اتخاذ القرار أو في رسم ملامح ما بعد الحرب. الأنظمة العربية بقيت تتفرّج، أو تتحرك ضمن هامش ضيق مرسوم من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين.

لكن هذا الواقع المأزوم قد يحمل، في طيّاته، فرصة. فالتراجع النسبي لكل من إيران وإسرائيل في بعض الجبهات، يُنتج فراغاً يمكن لقوى عربية جديدة — إن توفرت الإرادة السياسية — أن تملأه بمشروع نهضوي مستقل، يعيد تعريف المصالح، ويكسر التبعية لمشاريع خارجية.

ما بعد الحرب، تظهر عدة ملامح جديدة:

1. تراجع واضح لمشروع إيران التوسعي، واتجاه نحو إعادة التموضع بدل التمدد.
2. صعود خطابات المراجعة داخل إسرائيل، بشأن جدوى الحروب المفتوحة وجدواها على المدى الطويل.
3. تغيّر في المزاج الشعبي العربي، حيث فقدت معظم الأطراف الإقليمية مصداقيتها الأخلاقية.
4. تعزيز الدور الأميركي كضامن مؤقت للهدوء، وسط عجز دولي عن فرض حلول دائمة.
5. فتح الباب أمام ترتيبات أمنية إقليمية جديدة، قد تشمل دولًا عربية، بحجة مواجهة “الخطر الإيراني”، أو حماية “الاستقرار”.

انتهت الحرب، لكن لم تنتهِ تبعاتها. نحن أمام لحظة انتقالية، حيث تُعاد صياغة الاصطفافات والتحالفات، وتُرسم خرائط جديدة للنفوذ الإقليمي. ومع أن كلفة المواجهة كانت باهظة على الطرفين، فإن الشعب العربي يظل هو الخاسر الأكبر، ما لم يتحول من متفرّج إلى فاعل، ومن مستهلك للخطابات إلى حامل لمشروع وطني تحرري حقيقي.
لن تُحل أزمات الشرق الأوسط بصراع مشاريع خارجية، بل بنهوض داخلي يعيد الاعتبار لقيم الحرية، والسيادة، والاستقلال.

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد