الثورة – فؤاد العجيلي:
بعد أكثر من عقد على توقف الفعاليات الثقافية في شارع بارون وسط حلب، بدأت مؤشرات على عودة الأنشطة الأدبية والفنية إلى أحد أبرز شوارع المدينة، وسط تحديات لوجستية أبرزها غياب الدعم الحكومي.
منابر ثقافية وفنية
بجردة حساب، نجد أن شارع بارون يمكن أن نطلق عليه “شارع الثقافة والفن”، خاصة وأنه يضم 7 صالات للسينما هدمت منها صالة واحدة “سينما فؤاد” وتحولت إلى أرض فارغة، و6 صالات تحولت لمستودعات وأنقاض، و5 مقاه، إلى جانب مقر فرع اتحاد الكتاب العرب ومسرح حلب القومي، إلى جانب كشك لبيع الصحف والمجلات، ولكن كلها أصبحت طي النسيان بفعل الإجراءات الحكومية الجائرة أيام النظام البائد.
شهد شارع بارون تراجعاً كاملاً في نشاطه الثقافي بسبب إهمال المؤسسات الحكومية، خاصة بعد سيطرة النظام على مدينة حلب نهاية العام 2016 حيث تنادت الأصوات بضرورة إعادة نبض الحياة إلى هذا الشارع ولاسيما فيما يتعلق بمقاهي الثقافة والمقاهي الاجتماعية وضرورة إعادة تأهيل دور السينما، ولكن في الحقيقة كانت الثقافة آخر همٍ لدى دوائر حكومة النظام البائد”.
عودة مقهى “حلب عاصمة الثقافة”
بانتصار الثورة السورية بدأت أصوات المثقفين تعلو بحرية بعد أن كمت أفواههم بسبب القبضة الأمنية التي كانت تضرب بها سلطة النظام، وبدأ الحراك الثقافي شيئاً فشيئاً يعود إلى هذا الشارع من خلال فعاليات فرع اتحاد الكتاب العرب، إلى جانب آخر ما شهده هذا الشارع من معرض للكتاب في منتدى حلب عاصمة الثقافة، والذي مازالت فعالياته تقام لتاريخ إعداد هذا الاستطلاع.
وقال محمود حمام، صاحب مقهى “حلب عاصمة الثقافة “: المقهى كان قبل الثورة يشهد العديد من اللقاءات الفكرية، أغلق أبوابه 14 عاماً بسبب القمع…”، مضيفاً بأن عودة الحياة الثقافية تتطلب دعما حكوميا وإرادة مجتمعية.
تعزيز الثقة
بدوره رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب الأديب فواز حجو أكد أن عودة المشهد الثقافي إلى شارع بارون لن تكون إلا بتعزيز الثقة بين أصحاب المنابر الثقافيّة سواء أكانت منتديات أم مقاه، وبين المثقفين والأدباء وبين المتلقين أيضاً.
وفيما يتعلق بعودة المشهد الثقافي إلى شارع بارون أضاف رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب: أن هذه العودة المستدامة بحاجة إلى إعداد وخطط، ترسمها وتنفذها الحكومة كونها الشريك الحقيقي في هذا المشروع الفكري، لافتاً إلى أن توفير التغذية الكهربائية اللازمة يعتبر العنصر الأساسي في هذا المشروع، خاصة وأن معظم الفعاليات والأنشطة تحتاج إلى تغذية كهربائية لتشغيل المستلزمات، إلى جانب تشغيل المصاعد ولاسيما أن فرع اتحاد الكتاب بحلب يقع في الطابق الرابع في أحد مباني شارع بارون، ومعظم الحضور هم من كبار السن.
أكثر من 20 فعالية
وأشار “حجو” إلى أن عدم تزويد الشارع بالكهرباء ساهم بإعدام جميع المنابر الثقافية والاجتماعية، خاصة المقاهي التي باتت تغلق أبوابها في الثالثة بعد الظهر بعد أن كانت طوال ساعات متأخرة من الليل قبل الحرب التي شنها النظام، لافتاً إلى أن مقهى الشباب أكبر دليل على ذلك حيث اقتصرت أنشطته على الفترة الصباحية فقط مستقبلاً بعض الفعاليات والأنشطة الثقافية الأهلية، وخلال الأشهر الخمسة الماضية أقيمت أكثر من عشرين فعالية ثقافية وأدبية في فرع الاتحاد إضافة ويماثلها أيضاً فعاليات لمنتديات أهلية.
الباحث السينمائي الفنان غسان الذهبي أوضح أن أول صالة سينمائية أقيمت في حلب عام 1913، وبعدها بسنوات أقيمت أول صالة في دمشق، وقد عرف شارع بارون في حلب بتنوعه الثقافي والاجتماعي والتجاري، فكان لابد من أن تكون السينما حاضرة في هذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله مئة متر، حيث كان يضم أكثر من 7 صالات سينمائية تقدم للجمهور الحلبي أحدث الأفلام العربية والأجنبية الحديثة وتتنافس فيما بينها لاستقبال أبطال تلك الأفلام، ولكن مع مرور الزمن حكم على هذه الصالات بالإعدام لأسباب كثيرة منها ما هو فني ومنها ما هو إجرائي حكومي وتفشي ظاهرة العولمة الفنية وظهور أجهزة وأشرطة الفيديو، فأهملت تلك الصالات ولاسيما في حلب بسبب مركزية الثقافة السورية في العاصمة دمشق واحتكار المؤسسة العامة للسينما لحصرية استيراد الأفلام، وغيرها من الأسباب الأخرى.
ويرى الفنان “الذهبي” أنه يمكن أن يعاد نبض الحياة السينمائية إلى هذا الشارع وذلك من خلال وضع خطط وبرامج وتقديم تسهيلات لإعادة فتح هذه الصالات لممارسة دورها الفني والثقافي والاجتماعي، وهذه العودة لن تتم دفعة واحدة إنما بالتدريج، سوريا بشكل عام وحلب بشكل خاص غنيّة بمخزونها الفني والثقافي سواء من الناحية المادية أو اللامادية بشراً وحجراً.
دعم حكومي وشراكة مجتمعية.
ومع عودة بعض الفعاليات الثقافية إلى شارع بارون، تبقى قدرة المدينة على استعادة دورها الثقافي مرهونة بدعم حقيقي من الجهات الرسمية، وشراكة مجتمعية واسعة تعيد لهذا الشارع بريقه القديم.