الثورة – خاص:
أعلنت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بدء عملها الرسمي من العاصمة دمشق، بعد حصولها على الترخيص القانوني لممارسة نشاطها الحقوقي داخل الأراضي السورية، وافتتاح أول مكتب لها منذ تأسيسها، وذلك عقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
وتُمثل هذه الخطوة لحظة مفصلية في تاريخ الشبكة، وتكريساً لمكانتها كمؤسسة وطنية مستقلة تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان ومناصرة الضحايا، وذلك في سياق المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، والتي تتطلب تفعيل أدوار فاعلي المجتمع المدني في إعادة بناء سوريا جديدة على أسس العدالة والكرامة.
من النشأة إلى المؤسسة: أربعة عشر عامًا من العمل الحقوقي
تأسست الشبكة السورية لحقوق الإنسان في حزيران/يونيو 2011، مع انطلاقة الحراك الشعبي في آذار/مارس من العام نفسه، استجابة للحاجة الملحّة إلى توثيق الانتهاكات اليومية التي كان يتعرض لها المتظاهرون السلميون، والعمل على حفظ الذاكرة الوطنية، ومنع طمس الحقيقة. ومنذ ذلك الحين، تطور عمل الشبكة من جهود فردية إلى منظومة مؤسساتية متكاملة تعتمد منهجيات توثيق دقيقة ومعايير تحقق متعددة المصادر.
وقد أنشأت الشبكة قواعد بيانات متخصصة تشمل عدة مجالات، أبرزها:
قاعدة بيانات ضحايا القتل خارج نطاق القانون: وثّقت مقتل ما لا يقل عن 234,576 مدنيًا، من بينهم 30,559 طفلًا، و16,526 سيدة.
قاعدة بيانات المعتقلين والمختفين قسريًا: تم توثيق نحو 177 ألف حالة.
قاعدة بيانات ضحايا التعذيب: سجّلت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 45,342 شخصًا، بينهم 225 طفلًا و116 امرأة.
قاعدة بيانات للهجمات على المرافق الحيوية والأعيان المدنية: تضمّنت توثيق 919 اعتداءً على منشآت طبية، و1,477 على أماكن عبادة، و1,703 على مدارس.
قواعد بيانات نوعية للمسؤولين المتورطين في الانتهاكات: تشمل بيانات لأكثر من 16,000 مسؤول في الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية.
قواعد بيانات للهجمات باستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا: بما يشمل:
توثيق إلقاء 81,954 برميلاً متفجرًا.
توثيق 499 هجومًا باستخدام الذخائر العنقودية.
توثيق 182 هجومًا بالأسلحة الحارقة.
توثيق 222 هجومًا بالأسلحة الكيميائية.
وقد تم اعتماد هذه القواعد من قبل جهات دولية رفيعة المستوى، كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والآلية الدولية المستقلة (IIIM)، ولجنة التحقيق الدولية، بالإضافة إلى وزارات الخارجية في عدة دول أوروبية وأمريكية، والمحاكم الوطنية التي باشرت بملاحقة مجرمي الحرب في سوريا.
إنتاج معرفي ومشاركة دولية فاعلة
أصدرت الشبكة أكثر من 1,469 تقريرًا حقوقيًا شاملاً، ونشرت ما يزيد على 19,357 خبرًا وبيانًا حقوقيًا، إلى جانب المشاركة في أكثر من 110 فعالية حقوقية دولية، بما في ذلك تقديم الإفادات أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، وعدة برلمانات وطنية.
كما قدّمت الشبكة أدلة ووثائق إلى محاكم أوروبية وأمريكية في إطار ستة مسارات قضائية دولية لمساءلة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واستخدمت هذه الأدلة رسميًا في المذكرة الكندية-الهولندية المرفوعة إلى محكمة العدل الدولية.
تحديات جمّة في بيئة محفوفة بالمخاطر
واجهت الشبكة على مدى أربعة عشر عامًا تحديات كبيرة، من أبرزها:
المخاطر الأمنية: تعرّض أعضاء الشبكة للملاحقة والاعتقال والاختفاء القسري، ولا يزال ثلاثة من أعضائها في عداد المفقودين.
العمل الميداني في بيئة خطرة: نفّذ الفريق عملياته التوثيقية في ظل ظروف الحرب، والحصار، وانعدام الأمن.
الهجمات الإلكترونية وحملات التشويه: تعرضت الشبكة لاختراقات متكررة، وهجمات تشويه ممنهجة من النظام السوري وتنظيم داعش، وغيرهم من الأطراف.
صعوبات توثيق الانتهاكات: نتيجة تعقيد النزاع، وتعدد الجهات الفاعلة، وصعوبة الوصول إلى الضحايا، وتضارب الروايات، بالإضافة إلى الإحباط الناجم عن غياب المحاسبة.
الإرهاق النفسي لفريق التوثيق: بسبب تعرضهم المستمر لمشاهد العنف وشهادات التعذيب.
الرؤية: من الدفاع عن الضحايا إلى بناء العدالة
ارتكزت رؤية الشبكة منذ تأسيسها على دعم مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة. وتتمحور فلسفتها في العمل الحقوقي حول اعتبار الضحايا أصحاب حق لا مجرد أرقام، وإبراز أصواتهم في جميع المحافل الحقوقية. ويشكل الناجون وذوو الضحايا الغالبية العظمى من أعضاء فريقها.
وفي المرحلة الانتقالية الحالية، تسعى الشبكة إلى لعب دور فاعل في “تحقيق العدالة والمساءلة، عبر تقديم قواعد البيانات الداعمة للتحقيقات والمحاكم، وكشف مصير المفقودين، وتعزيز التعاون مع المؤسسة الدولية المعنية بهم، ومراقبة أداء المؤسسات الانتقالية، وضمان امتثالها للمعايير الدولية، وإصلاح مؤسسات الدولة، وبخاصة الأمنية والقضائية، ودعم المسارات الدستورية
والسياسية، من خلال إدماج مبادئ العدالة الانتقالية في الدستور الجديد، وتوثيق الانتهاكات بشكل فردي يحفظ إنسانية كل ضحية.
تجديد الالتزام وامتنان للضحايا
مع هذه الانطلاقة الرسمية من دمشق، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان التزامها الثابت بمواصلة الدفاع عن الضحايا، والعمل على استكمال رسالتها في التوثيق والمناصرة، وبناء القدرات، والتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين.
وقد توجهت الشبكة بأسمى عبارات التقدير إلى الضحايا وذويهم، وإلى الناجين، والشهود، وأعضاء الفريق كافة، الذين واجهوا المخاطر وواصلوا العمل رغم الظروف القاسية. كما استذكرت أولئك الذين فقدوا حياتهم أثناء أداء هذه المهمة النبيلة، متعهدة بأن يظل صوتهم حيًا في وجه النسيان والظلم.