الثورة – منذر عيد:
عبر التاريخ، كانت سوريا جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي، بل دولة محورية فيه، لها ثقلها السياسي والعسكري، إلا أن سياسية المحاور، وانحياز النظام السابق إلى دول إقليمية بعيداً عن المصلحة العربية، وعدم التماس ذاك النظام هواجس العديد من الدول العربية وتخوفها من الدور السلبي الذي لعبته بعض الدول الإقليمية في المنطقة، خاصة وأن هذا النهج أخذها بعيداً عن الحضن العربي، وأدخل سوريا لسنوات في حقبة من القطيعة والجمود في علاقاتها العربية، لتشهد الكثير من دروب دمشق السياسية والدبلوماسية انقطاعاً وقطيعة مع العديد من العواصم العربية، إلى حين سقوط نظام بشار الأسد.
فبعد انتصار ثورة الشعب السوري واستلام الإدارة الجديدة الحكم في سوريا، بدأت المرحلة الجديدة تشهد تحولات كبيرة وجذرية في علاقات دمشق والعواصم العربية، تغيرات مبنية على أساس العلاقات العربية- العربية أولوية، وضرورة تعزيزها على قاعدة التشاركية والتعاون ومواجهة التحديات المشتركة.
ملامح النهج الجديد للإدارة الجديدة، والعودة إلى البيت العربي، بدا جلياً من خلال تخصيص الرئيس أحمد الشرع أولى زياراته الخارجية إلى المملكة العربية السعودية في الثاني من شهر شباط الماضي، وذلك بعد فترة قصيرة جداً على تسلمه مهام الإدارة الجديدة، لتكون بمثابة رسالة جلية المعنى، وهو انتهاء فترة الهيمنة الخارجية الأجنبية، وبمثابة الإعلان الرسمي لعودة سوريا إلى محيطها العربي بعد سنوات من التهميش تسبب بها النظام السابق، لتأتي زيارات الرئيس الشرع اللاحقة إلى كل من مصر والأردن وقطر والإمارات والبحرين والكويت، لتؤكد على أن دمشق تولي البيت العربي أهمية خاصة، ويعنيها كثيراً أن تكون عنصراً فاعلاً في إعادة ترتيبه بما ينسجم مع المصلحة الوطنية والقومية معاً.
الاهتمام السوري بالعلاقات مع الدول العربية، ومكانة سوريا بحضنها العربي، أكده الرئيس الشرع خلال مشاركته في أعمال القمة العربية الطارئة بالقاهرة في الرابع من آذار الماضي، عندما قال بأن سوريا كانت وما زالت جزءاً من البيت العربي الكبير، وأوضح حينها أن عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة نحو حل الأزمات، وقال: “عودتنا إلى الجامعة العربية تأكيد على دعمنا لكل القضايا العربية العادلة”، ليبن لاحقاً في تصريح على هامش القمة: “سوريا في مكانها الطبيعي الآن، ولا أقول: إنها عادت إلى الحضن العربي، فهي جزء من الحضن العربي”، بحسب ما ذكرت قناة “العربية” حينها.
لقد سعت دمشق ومن خلال سلسلة من الزيارات الرسمية التي قادها وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى العديد من العواصم العربية منذ الأيام الأولى من عهد الإدارة الجديدة، إلى ترميم ما دمره النظام السابق من جسور مع الأشقاء العرب، وبهدف كسر العزلة وإعادة بناء الثقة مع المحيط العربي، وذلك لإدراك دمشق أن عودة سوريا إلى الأسرة العربية لها أهمية استراتيجية واقتصادية وسياسية وأمنية، الأمر الذي بدا واضحاً في كلمة الشيباني أمام القمة العربية بدورتها الرابعة والثلاثين في بغداد في السابع عشر من أيار الماضي بقوله:” سوريا كانت وستبقى جزءاً من قلب هذه الأمة، وهي اليوم تمد يدها إليكم من منطلق الشراكة والمسؤولية والرغبة في بناء مستقبل يليق بتاريخنا ويصون أوطاننا ويحقق طموحات شعوبنا، لقد أنهكتنا الحروب واستنزفت مقدراتنا الأزمات، وأضعفت كياننا العربي الانقسامات والتجاذبات، فما عدنا نملك ترف الانتظار، ولا رفاهية الانشغال بالخلافات على حساب حاضر شعوبنا ومستقبل أجيالنا، آن الأوان لأن نرتقي فوق الجراح، ونتجاوز الخلاف، ونتحد من أجل بناء مستقبل جديد لأمتنا، مستقبل يليق بعراقتها ويستجيب لطموحات شعوبها، ويعيد لها دورها الفاعل في صناعة التاريخ لا الوقوف على هامشه” حسب ما ذكرت وكالة “سانا” حينها.
الحديث عن العلاقات السورية- العربية ما قبل 8 كانون الأول الماضي، يختلف عما بعده، فجملة الأزمات الدولية التي أدخل النظام السابق سوريا فيها جراء سياساته قصيرة النظر، فككت واحدة تلو الأخرى على يد الدبلوماسية السورية الجديدة، وحراكها النشط بين العواصم العربية والدولية، لتفضي إلى سلسلة من العلاقات السورية الدولية والعربية المبنية على الاحترام والندية والعلاقات المتبادلة.
ذهاب دمشق نحو العواصم العربية لفتح صفحة جديدة في العلاقات قابله، ترحيب عربي منقطع النظير، وتسارعت وتيرة إعادة العلاقات الدبلوماسية للعديد من الدول التي كانت قد غادرت دمشق سياسياً، بالتزامن مع الإعلان عن سيل كبير من الدعم السياسي والاقتصادي للمساعدة في إعادة اقتصاد سوريا المتهالك إلى سابق عهده والمساهمة في إعادة ما دمرته سنوات الحرب الطويلة.