الثورة – علا محمد:
اختُتمت مساء اليوم، فعاليات “ملتقى تحليل البيانات” بجلسةٍ حوارية خاصة جمعت نخبة من الخبراء والأكاديميين من مختلف القطاعات، وذلك في قاعة “رضا سعيد” بجامعة دمشق.
ناقش المشاركون واقع البيانات في سوريا ودورها في صنع القرار، مؤكدين أن المستقبل يُبنى على الأرقام الدقيقة لا على التقديرات، وأن الاستثمار في البيانات أصبح أحد أعمدة التنمية وصياغة السياسات الحديثة.
وفي لقاءات خاصة مع صحيفة “الثورة”، قدّم المتخصصون رؤاهم حول التحديات والفرص التي يحملها علم البيانات لمؤسسات الدولة وسوق العمل، وكيف يمكن تحويل المعلومة إلى أداة تنمية وقرار فعّال.
من الجامعة إلى سوق العمل
رأى أستاذ كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية الدكتور سامر حسام الدين أن الملتقى لم يكن فعالية تقليدية، بل منصّة حوار جمعت المتخصصين لتسليط الضوء على أهمية جمع البيانات وتحليلها لخدمة صانع القرار، مؤكداً أن الملتقى فتح الباب أمام الطلاب الجدد لتحديد مسارهم التدريبي واكتشاف ما ينقصهم من مهارات، معتبراً أن هذه الخطوة تمثل اتجاهاً عملياً لربط الجامعة بسوق العمل.
ولفت إلى أن نقاشات الجلسة بين الخبراء ركزت على البيانات الصناعية والتنافسية والإنتاجية، ومدى قدرة الخريجين على إيجاد فرص عمل محلية أو إقليمية، مشيراً إلى أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في تدريب الطلاب على حل المشكلات الصناعية السورية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات.
بدوره، اعتبر مدير عام شركة “أزوريت” للاستثمارات وتحليل البيانات الدكتور معتز الدالاتي أن الملتقى يشكّل خطوة في مسار طويل لبناء نظام وطني للبيانات الاحصائية يسهم في عملية إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن النقاشات داخل الجلسة تمحورت حول أتمتة البيانات وإدخالها ضمن منظومة التحول الرقمي، بحيث تصبح عملية التحليل أكثر دقة وسرعة،منوهاً بأن توثيق البيانات وجودتها عنصران أساسيان في نجاح التحليل الاحصائي، لأن القرار الصائب، على حدّ قوله، لا يمكن أن يُبنى على معلومة غير موثقة.
من جانبها، شددت الدكتورة في المعهد العالي للتنمية الإدارية مزنة مارديني على أن ضعف البنية التحتية للبيانات يشكّل أحد أبرز التحديات أمام تطوير العمل الاحصائي في سوريا.
وأوضحت أن غياب الكوادر المتخصصة بجمع وأرشفة البيانات يجعل من الصعب استخدامها عند الحاجة، مقترحةً إنشاء هيئة وطنية لإدارة البيانات -على سبيل المثال- لتكون مسؤولة عن الربط بين الجهات الحكومية والخاصة.
وأضافت أن هذه الهيئة يمكن أن تعتمد نظاماً للمعلومات الجغرافية الاحصائية يوفر مسوحاً دقيقة عن حجم الدمار، والأنشطة الاقتصادية والزراعية والسكانية، بما يسهم في وضع خطط واقعية لإعادة الإعمار.
تجارب النجاح تصنع الثقة
مدير المشاريع في إحدى الشركات المتخصصة بالبرمجيات زياد إدلبـي رأى أن الجلسات النقاشية كانت ثرية ومثمرة، لكنه تمنى أن تتضمن النسخ القادمة من الملتقى عرض تجارب نجاح واقعية من قياديين ومديري شركات، تُظهر كيف ساعد تحليل البيانات في اتخاذ قرارات ناجحة أو في التعلم من إخفاقات سابقة، لافتاً إلى أن تحليل البيانات يجب أن يتحول إلى ثقافة مؤسسية لا إلى عمل نظري منفصل عن الواقع، مؤكداً أن التجارب العملية هي التي تزرع الثقة وتؤسس لبيئة مهنية أكثر نضجاً.
كما أوضح الدكتور المهندس نورس وطفة أن الجلسة التي شارك فيها جمعت أساتذة جامعات وممثلي شركات وطلاب دراسات عليا، ما أتاح تبادلاً حقيقياً للأفكار بين مختلف الأطراف، مبيناً أن بعض الشركات كانت ترى علم البيانات ترفاً أكاديمياً، لكن النقاشات غيّرت هذا التصور وأظهرت قيمته العملية.
وأكد ضرورة تدريب الطلاب ميدانياً وربط المناهج الجامعية بحاجات سوق العمل، إلى جانب الالتزام بـ دورة حياة البيانات من جمعٍ وأرشفةٍ واستخدام، بما يضمن الشفافية والدقة في التعامل معها.
وتأكيداً على فكرة د. وطفة أشار رئيس مجلس إدارة شركة “تريبتون” رجل الأعمال عبد الرزاق شحرور إلى أن القطاع الخاص عانى خلال سنوات طويلة من انقطاع عن التطور التقني والإداري، لكنه اليوم أمام فرصة جديدة للانخراط في ثقافة التحليل الاحصائي.
ورأى أن التواصل مع المختصين كشف له الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الاحصاء في تحسين الأداء المؤسسي، داعياً إلى تنظيم ورش عمل مشتركة بين الجامعات والنقابات والشركات الخاصة لتوضيح كيفية الاستفادة من هذا العلم في إدارة الأعمال واتخاذ القرارات.
وخلص المشاركون في ختام الملتقى إلى أن تحليل البيانات لم يعد ترفاً علمياً، بل ضرورة وطنية، فالأرقام الدقيقة هي التي تبني الرؤية، وتوجه الخطط، وتصنع القرارات القادرة على رسم ملامح مستقبل أكثر وضوحاً واستدامة.