“السودان، تذكّر” فيلم موسيقي عن الثورة والشعر

 

الثورة _ أحمد صلال _ باريس:

تتناول المخرجة هند مدب، بعد الثورتين التونسيّة والمصريّة، الثورة السودانيّة التي اندلعت عام 2019 قبل أن يتم قمعها بدمويّة، وهي ثورة حملها شباب كان الشّعر والموسيقا في صميم نضالهم من أجل الحريّة.
إنه فيلم يسمح لنا بالدخول إلى منطقة كانت في حالة حرب لسنوات، والتي لا نتلقّى منها سوى صور قليلة، كما قلت، والتي تفعل ذلك بطريقة خاصة، والتي ليست طريقة التقارير الصحفية التي جاء منها المخرج في الأصل، ولكن بطريقة شعريّة وموسيقيّة، والتي هي قوّتها العظيمة، وأحياناً ربما هشاشتها.
ليس من السهل تمثيل بلدٍ لم تأتِ منه، خاصةً عندما يكون هذا البلد في خضم صراع داخلي معقد، منذ الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير عام ٢٠١٩، واستيلاء الجيش على السلطة يقمع حركات المقاومة بدموية ويُمزّق نفسه منذ عام ٢٠٢٣، الأمر صعب لأن فهم القضايا مُعقّد، بل وأكثر من ذلك إظهارها، ولأن عليك أن تُحدّد موقفك: داخلياً وخارجياً.
هذا شيء تتقنه هند مدب، متحدثةً بضمير المتكلم بصوتها: تُخبرنا من هي، ابنة مثقفين من أصول تونسية وجزائرية ومغربية- والدها معروفٌ في فرانس كولتور، أنتج عبد الوهاب مدب برنامج “ثقافة الإسلام” لفترة طويلة، نشأت في فرنسا، حياةٌ لا تُهيئ المرء لمواجهة العنف المُندلع في السودان، وتتحدث لغةً عربيةً مُختلطةً ومكتوبةً إلى حدٍّ ما تُضحك مُحاوريها في كثيرٍ من الأحيان.
المُحاوريون الذين تُخصص لهم مساحةً واسعةً وسخيةً، معظمهم من الشباب، وكثيرٌ منهم نساء، يُنظمون في عام ٢٠١٩ في الخرطوم ويشغلون مساحةً عادةً ما يُحددها الجيش على بُعد خطواتٍ قليلةٍ من القصر الرئاسي.
اعتصامٌ ضخم تُصوّره مُطولاً، مكانٌ مليءٌ بالحياة حيث يُحضّر الطعام، ويتحدث الناس، ويُعلّم أطفال الشوارع، ويغني الناس، كثيرًا، أغاني شعبية ومؤلفات شعرية مُلتزمة.
“السودان، تذكّر” فيلم موسيقي إلى حد كبير، يبدو أنه يتتبّع بدقة الشريط المفروش لهذه القصائد الطويلة، دون الوقوع في الصراحة، في بعض الأحيان لم يعد الوقت مناسبا للغناء.
تصور هند مدب الساحة المدمرة بعد قمع 3 يونيو 2019 – 127 قتيلاً – ثم خوف وحزن هذه الحفنة من الشباب الذين يرسمون وجوه موتاهم على الجدران، ويواصلون التظاهر مخاطرين بحياتهم، ويهربون من الجيش في اللحظة الأخيرة، ويجدون أنفسهم في المساء، بعد ساعات من الاختباء، في الحانات أو الشقق.
ثم هناك صمت: يجب على هند مدب، التي غادرت باريس إلى السودان بدون تذكرة عودة، مدفوعة بهذه الحركة الديمقراطية والشعبية، أن تعود إلى السودان. الصور على الشاشة هي تلك التي صورها أصدقاؤها الذين التقتهم هناك، مختبئين خلف الستائر: شوارع الخرطوم فارغة، نسمع طائرات بدون طيار ودبابات.
في هذه الصور، التي يُفتتح بها الفيلم، يُعبّر عن استحالة التمثيل، ويُعبّر عن تواضعٍ مُرحّب به، يدور الأمر حول إفساح المجال للموضوع- هؤلاء الشباب المُتظاهرين- وتُطلق هند مُدب العنان لكاميرتها لفترة طويلة وهم يُغنّون، وهي بلا شك إحدى أنسب الطرق لتكريمهم.
ولأن الفيلم مُناسبٌ للغاية، فقد طرحتُ على نفسي العديد من الأسئلة حول شارة النهاية- شارة النهاية مهمةٌ للغاية – حيث نسمع أغنيةً للموسيقي الفرنسي آرثر إتش كُتبت خصيصاً للفيلم.
أنا معجبٌ جداً “بآرثر إتش”، ليس هذا هو السؤال، لكن هذه النهاية الموسيقية الفرنسية، على الرغم من أن الفيلم مُنسجٌ بأشعارٍ وأغانٍ سودانيّة، تبدو مُزيفة بعض الشيء، وكأنها لحنٌ إنسانيٌّ من زمنٍ آخر، لم يُذعن له الفيلم قط.

آخر الأخبار
الدبلوماسية السورية.. من التبعية والعداء إلى الاستقلالية والانفتاح   "صوت السلام" فعالية مجتمعية في طرطوس تشعل الفرح وتزرع الأمل   صحة المرأة في مواجهة سرطان الثدي: الوعي والدعم مفتاحا النجاة    الشيباني: الدبلوماسية السورية متوازنة ومنفتحة على الحوار والتعاون  سوريا تنضم إلى "بُنى".. انطلاقة جديدة لتعزيز  التعاون المالي الإقليمي والدولي  زيارة وزيري الاقتصاد والمالية إلى واشنطن..  تعزيز الشراكة وكسر العزلة  لجان وآليات لدفع التعاون بين الجمعيات الخيرية نحو آفاق من التأثير  الفضة مقابل الذهب..هل يمكن ضمان نفس مستوى الأمان؟    تأهيل 750 مدرسة وترميم 850 أخرى ووعود بتأمين مقعد دراسي لكل طالب   فريق الهلال الأحمر الجوال  بالقنيطرة.. خدمات طبية للمجتمعات المحلية   تكاتف سكان "غنيري" ..استعادة لبعض الخدمات وحاجة للاهتمام   إعادة الممتلكات ..تصحيح الظلم وبناء عقد اجتماعي شفاف ومتساو    انطلاق أول معرض للتحول الرقمي بمشاركة 80 شركة عالمية  ضحايا ومصابون بحادثي سير على أتوستراد درعا- دمشق وزير الاقتصاد يلتقي ممثلين عن كبرى الشركات في واشنطن التحويل الجامعي.. تفاصيل هامة وتوضيحات  شاملة لكل الطلاب زيادة مرتقبة في إنتاج البيض والفروج أول ظهور لميسي مع برشلونة… 21 عاماً من الإنجازات المذهلة  بيلوفسكي الفائز بسباق أرامكو للفورمولا (4)  خطة لتمكين الشباب بدرعا وبناء مستقبلهم