الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
لأن الأدب المقاوم ينبثق من مفهوم العزّة والحريّة والسيادة، ولأن التطور السياسي لابد من أن ينعكس على النتاج الأدبي الذي سيصبح مؤرخاً لقضية الوجود، احتفى اتحاد الكتاب العرب فرع القنيطرة بالذكرى الثامنة والأربعين لحرب تشرين التحريرية على طريقته، فاختار “أدب المقاومة فلسطين والجولان أنموذجاً ” لنزور هضبة تقع أقصى الشمال من مدينة القنيطرة في جمالية الرواية ولتفوح الحرية من أرض كنعان شعراً، في محاضرة قيّمة أدارها الدكتور جمال أبو سمرة في قاعة محاضرات مبنى اتحاد الكتاب العرب بدمشق يوم أمس.
فقد أضاء الكاتب والروائي عمر جمعة في محاضرته “حضور الجولان في الرواية السورية المعاصرة “على عدّة روايات مهمة استعرضت الجولان المحتل، فكان المكان الروائي متصدّراً المشهد وكأن الجولان الذي ترنو إليه القلوب لن تنساه العيون، فكلنا أصبحنا ” أم عايد ” العمياء” ” في رواية ” أبعد من نهار..دفاتر الزفتية “، والتي أرادت زيارة بلدتها فاشتمت حفنة تراب لتتأكد أنها هي، قائلة:” ما هو الواحد مش ضروري يكون بيشوف حتى يعرف بلده يا عايد، المطارح محفورة جواتي من أنا وصغيرة ولما بعدت عنها بعد النزحة صرت كل يوم أحفظها من جديد”. الرواية التي من أجلها تحدث فيها الراوي أيمن الحسن إلى أكثر من مئة شخصية في القنيطرة ليسطّر أقدار النازحين قصصاً تجمع جيلين في رواية، فبالمحصلة هي واقع وخيال كما ذكر في مقدمتها، “في جنوب الجولان يأتي الربيع باكراً، وعند وسطه يأتي في الوقت المعتاد ويأتي متأخراً في شماله، ما يجعل الجولان ربيعاً دائماً”.
وقد أشار جمعة إلى أن الدراسات النقدية التي أفردت حيزاً كبيراً للبحث في أهمية المكان في الرواية، ونشر مؤرخو الأدب أبحاثاً وكتباً عدة، قد تناولت مصطلحات كثيرة تدور في هذا الفلك مثل المكان الروائي والفضاء الجغرافي والفضاء الدلالي والفضاء النصي، فعند بعض النقاد “حين يفتقد العمل الأدبي المكانية فهو يفتقد خصوصيته، وبالتالي أصالته” وذلك أن براعة الكاتب ستبرز في الوصف، واستخدام الصورة الفنية، وتوظيف الرموز والألوان فضلا عن أن المكان سيغدو فضاء يحتوي كل العناصر الروائية” واستعرض جمعة الروايات التي تناولت الجولان أذكر أبرزها “الأبتر” لممدوح عدوان، “المرصد” لحنا مينة، “دعوة إلى القنيطرة” لكوليت خوري و”موسيقا الرقاد” زهير جبور و”حدث في الجولان ” مالك عزام، فيما اقتصر التعبير الأدبي عن الجولان المكان على الكتاب العرب من سورية وفلسطين، باستثناء رواية يتيمة لمبارك ربيع من المغرب بعنوان ” رفقة السلاح والقمر” وتندرج هذه الرواية في إطار روايات الحرب، وتركز على دور التجريدة المغربية في حرب تشرين.
وفي استفاضة حول رواية ” أبعد من نهار ..دفاتر الزفتية” يبين جمعة أنه ثمة نزوع إلى استعادة هذا المكان “الفردوس” المفقود وذلك عبر حكايات يوزعها الروائي بوعي العارف بين أمكنة عدّة، وفي سعي أيمن الحسن لتبيان الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق الجولان عموماً والقنيطرة خصوصاً منذ احتلاله عام 1967 وحتى تدمير المدينة قبيل اندحار الصهاينة منها حرب تشرين التحريرية عام 1973 .فتقف الرواية عند لحظة فارقة للتنبيه إلى فداحة هذه الجريمة، والتي لم تجهض الرغبة بالعودة عند الأغلب الأعم من أبناء الجولان المحتل، فالعودة إلى الجولان سيتبعها العودة إلى فلسطين فالجغرافيا واحدة، والأماكن واحدة والهدف واحد .
ومن هنا كان لابد من أن نستذكر أن القضية الفلسطينية قد حجزت مكاناً لها في الأدب المقاوم الذي يتربع على عرش الأدب لأنه يندمج في كينونة الجماعة والأرض، ولاسيما في فن الشعر، وهو ما اختار عرضه القاص سامر منصور فتحدث عن شاعر المقاومة، أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، والذي يعتبر أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه، ففي شعره يمتزج الحب بالوطن والحبيبة الأنثى، قصائد “محمود درويش المرايا الأنقى للنضال” اختار منصور عنوان محاضرته فنوه إلى القصائد التي تبرز فيها المخالفة الإبداعية كما أسماها، إضافة إلى ولوج منصور في الجانب النفسي الذي لعب دوراً مهماً في التجربة الشعرية عند درويش، وعدّه ظاهرة فريدة في الخروج من الطوباوية إلى اكتشاف الإنسان وصراعه في تحقيق وجوده .
وفي مداخلات قيّمة أكد فيها الحاضرون والأكاديميون على أهمية الأدب المقاوم في الرواية والشعر والصنوف الأدبية، وعوّلوا على أن يتم توظيف الجهود الإبداعية لإرتقاء الرواية السورية وتقدمها إلى الصفوف الأمامية ليس في الوطن العربي فحسب بل والعالمية أيضاً، ولنكتب في الأدب المقاوم وفي ذكرى التحرير “أن الطريق إلى الجولان ليس طويلاً”.