الثورة أون لاين:
مازلت أجد الكثير من الصواب في جواب الشاعر الفلسطيني الراحل حسن البحيري على سؤالي عن قصيدة التفعيلة , وهو الشاعر الذي لم يكتب ولو قصيدة واحدة خارج ما هو مألوف عن قصائد الشطرين.
حينها قال لي : المهم أن يكون الشعر شعراً , أستذكر هذا القول بعدما قرأت أساور الحرمل باكورة أعمال السيدة نور النعمة الصادرة عن دار بعل في دمشق , وقد وجدت فيها الشعر ولا شيء غير الشعر , مع أن جميع قصائدها نأت بنفسها عن بحور الشعر.
ماذا قالت الشاعرة وكيف قالت وهذا هو موجز ما كان يدرسنا إياه أستاذنا الراحل الكبير شكري فيصل , فمعرفة ماذا قال يعني أنك وقفت على المضمون , ومعرفة كيف قال يعني تلمسك الشكل والإحاطة به , ولن أصادر ما يذهب إليه أساتذة النقد الأدبي من أن النقد الحديث يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير, فهذا غنى وثراء قد يعين طالب الأدب على تلمس منهاج دراسي يصل إلى ما هو أعمق من دراسة المضمون والشكل .
في سيرة ذاتية تقدم نور نفسها على انها ابنة الصحراء
ابنة الطواحين
صوتها زمهرير وريح
جسدها زهرة برية
لونّها الهواء الأصفر
أقدامها متشققة كأرض جدباء
ثلوج القلمون غرّتها
وشال شعرها صدد … فهل هي كما باحت ؟
تتجه نور النعمة في معظم قصائدها إلى الإيجاز والتكثيف لتحقيق أولويات قصيدة النثر وأهم خصائصها الجمالية فبدونهما يغدو النص مثقلاً بما فيه فلا هو نثر ولا هو بالشعر :
أعطنا حزناً كفاف يومنا
وهبنا صليباً يقدر احتمالنا
فما عاد من سمعان القيرواني بيننا
وتختار من الصور ما هو أقرب لروحها تستمد ذلك من وهج الواقع وما يزخر به من صور , فترى الأشجار خلف بيتها ترقص لا جمهور يصفق لها بعد أن انتهى المطر من العزف على جسدها فتصرخ :
يا الله كيف حولتني لناي
كلما حاول رتق ثقوبه
تنفخ فيه من جديد لحن حياة من شرفتي هذا المساء ص93
وتختار انزياحات جديدة تضفي الكثير من الجماليات على معاني متداولة ما يشير بوضوح إلى امتلاكها كماً كبيراً من المفردات :
لي رغبة أن أربي صوتك
فوق حبال حنجرتي
يتمدد مثل كرمة كي تتدلى عناقيد الأغاني
أو :
مذ طوقت جذعي بات جسدي شجرة دائمة الاخضرار …ص 59
أنا كل النساء حين تحضر
وأنا المتفردة في الانتظار
ولكن من أين جاء عنوان المجموعة تقول الشاعرة :
كانت أمي تصنع لي من ثيابها ألعابا
وأساور وعقودا من حرمل
كان الفرح يمدد ساقه
لأبعد من فراشنا
والحزن إذا ما مرً أمام ضحكاتنا يخجل
فضحكات أمي مشاتل ورد
يتجدد كل فصل ولا يذبل
وكانت كلما مرّ عليها موال
تفتعل الرقص
لا كما الطير
بل كما طفلة لم تكبر
كان يكفي أن تطعم جياع الأرض يا الله
لو هززت مريولها الأخضر …