الملحق الثقافي:إعداد: نذير جعفر:
«في خضمِّ الرعب والرِيَب،
ونحنُ مهتاجو الذّهن، فزعو العيون
نضعُ حلولاً
وخططاً لما نفعلْ
حتى ننجو من الخطرِ المحيق المُهدِّد
لكننا مخطئونَ، فهذا ليسَ سبيلنا
كانت النبوءاتُ زائفة
أو أننا لم نسمعها، أو أننا لم نفهمها جيداً
كارثةٌ أخرى
كارثةٌ لم نحلم بها
تسقطُ علينا في عصفِ المباغتة
ونحنُ غير مستعدّين – لا وقت الآن –
وتأخذنا»..
«كفافيس»
سعد القاسم: ناقد تشكيلي
بصرفِ النظر عن الآراء المتباينة حول منشأ الكورونا، وعن كونه طفرة طبيعية أو نتاجاً مخبريَّاً، وبصرف النظر أيضاً عن استثمار انتشاره المخيف سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فإنه قد خلق واقعاً غير مسبوق من العزلة الاجتماعية.. ووفرت جائحة الخوف والتخويف، إمكانية إضافية للسلطات – في غير مكان من العالم – لزيادة سيطرتها على مجتمعاتها.. وقد يكون أوضح الأمثلة ما حدث في فرنسا، فعشية ظهور الفايروس كانت الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية لا تتوقف في الشارع، وهبطت شعبية الرئيس إلى أدنى مستوى.. وبعد انتشار الجائحة وما رافقها من إجراءات حكومية، فرغ الشارع من المحتجين، وارتفعت شعبية الرئيس بشكل هوليوودي أو بوليوودي.
أعتقد أن جائحة الكورونا خلقت واقعاً جديداً، وفّر للأدب موضوعات كثيرة كالعزلة وانعدام التواصل الاجتماعي، وتقييد الحريات، والسيطرة على التفكير والسلوك البشريين، ونمو إمكانيات السلطة الخفية المهيمنة على العالم، وانتقام الطبيعة مما ألحقه بها الجنس البشريّ من خرابٍ، حدّ زوال هذا الجنس نهائياً.
أعتقد أن هذه الموضوعات، وسواها من الأفكار التي أطلقتها جائحة كورونا ستجد طريقها إلى الأدب بوسائلٍ عدّة.
غسان كامل ونوس: شاعر وروائي
لا أظنّ بأنّ هناك حالة تشبه -أو على الأقلّ تضاهي- ما فعلته جائحة “كورونا” في الكرة الأرضيّة وكائناتها، ولا سيّما إنسانها “العاقل”، خلال زمنٍ ما يزال متّصلاً منذ حوالي سنة ونصف السنة؛ وإن أخذ وقعها يتفاوت في تأثيره المباشر على الحياة، بين بلدٍ وبلد، وبشر وآخرين؛ بيد أنّ آثارها غير المباشرة ستتداعى طويلاً؛ أذيّات جسديّة ونفسيّة، ومعالمَ وملامحَ ونواتج وجدالات وعلاقات وعادات وأصداء.. ولا شكّ أنّ مثل هذا التأثير سيتبدّى في الأدب، وإن بعد حين؛ وذلك لأنّ الأدب يحتاج، بحسب أجناسه الإبداعيّة المتنوّعة، إلى وقتٍ ما؛ ليتخمّر، ويخرج في شكلٍ أدبيّ مشهود.. وتناوُل الأدب للموضوع هذا ليس غريباً؛ فالأدب متشوّف توّاق، ملمّح أخّاذ، حمّال معاناة ومنغّصات، ومطلق زفرات ونفثات، وباثّ لطموحاتٍ وأمنيات ورؤى، بهذا الشكلِ أو الأسلوب أو ذاك، بهذا المحتوى البادي أو المستبطن أو سواهما… وقد سبق أن قارب الأدب بأجناسه المختلفة، جائحات وأوبئة في أزمنةٍ سابقة؛ كالطاعون والجدري والحصبة والكوليرا.. كما كان لأحداثٍ ووقائع كبرى أصابت بعض أجزاء المعمورة، أصداء في نصوصٍ أدبيّة عديدة على امتداد الكوكب؛ كوارث طبيعيّة: زلازل وبراكين وفيضانات وعواصف وأعاصير، وأخرى ذات منشأ بشريّ؛ كالحربين العالميّتين المدمّرتين الأولى والثانية؛ فكيف لا يكون لجائحةٍ، بلغت أطراف العالم، تأثيرات متنوّعة؟!.
وقد بدأت طلائع مظاهر الجائحة هذه في الأدب في عدد من المقالات، التي تتحدّث عن انعكاسات الظروف غير الإنسانيّة، التي فرضها الفيروس المهيمن، من تباطُؤِ دوران عجلة الحياة إلى درجة التوقّف في مجالات وميادين عديدة، ومن انحباس وانفراد وانعزال وانفصال، وسلام من بعيد، إذا صادف، ومغادرة من دون مرافقة أو طقوس وداع، حتّى إلى المثوى- المنبوذ- الأخير!
ربما تتأخّر النصوص الإبداعيّة ذات الفنّيّة العالية؛ ولا سيّما الروائيّة والمسرحيّة، وقد تظهر مع سواها قبل أن يتلاشى “كورونا”، وتتخامد تبعاته؛ لأنّ فصوله قد تطول، مع تحوّره وتغيّر شكله وسلوكه، وقد باكر بعض هذه النصوص في الدوريّات الأدبيّة، وعبر صفحات الشابكة، وتابعتُ بعض النصوص في مسابقات شبابيّة قصصيّة وشعريّة في حيّز قريب وبعيد؛ كما تظهر، بين حين وآخر، ترجمات ودراسات وأبحاث وتحليلات في الموضوع ذاته هنا وهناك؛ عدا الأبحاث الطبّيّة المتخصّصة عن الفيروس وتبدّلاته، والإجراءات المتّخذة لمواجهته، واللقاحات المعتمدة التي يكثر الحديث عنها إيجاباً وسلباً؛ وقد ينسحب الجدال حول الجائحة وأسبابها ومفرزاتها، والمسؤولين عن وجودها وانتشارها، والمتضرّرين منها، على الأدب؛ فتظهر وجهات نظر متباينة، وتكهّنات مختلفة، بحسب الموقع والموقف والانفعال والاستنتاج والاستشراف، وما يتمتّع به الكاتب من قدرات وطاقات فنيّة وإبداعيّة ومعرفيّة ولغويّة، وما يحتاج إليه من وعي ومعطيات وتمثّل وجرأة وتحفيز، ومبادرة ومنابر ونوافذ.
د. بتول دراو: ناقدة وأستاذة جامعية
ندرك تماماً أهمّيّة ما يستمدّه الأدب من الواقع المحيط، ونعرف كيف أنّ الأديب أو الفنّان، يحاول أن يكون متميّزاً ومتفرّداً في أعماله، فكيف وقد ظهرت معطيات واقعيّة جديدة؟؟ لكنّ القضية في الاختلاف والتنوع الكامن في الأجناس الأدبيّة، فهل سيكون تعامل الشّعر مع “الكورونا” كما تعامل الرّواية أو القصّة أو المسرحيّة؟
قبل الإجابة عن ذلك، علينا أن نتذكر أن النّصّ الإبداعي، هو نصّ أدبيّ بالدرجة الأولى، ولذلك فإننا بوصفنا قراء ومتلقّين، نبحث عن أدبيّةِ النص قبل أن نبحث عن العناصر الأخرى، لأننا نهتم بألّا يتحول إلى نصٍّ مؤدلج، وهذا هو الأهم بالنسبة إلينا نظراً لطبيعة النص الأدبيّ وغايته الشّعريّة والفنّيّة المرتبطة به.. أما الوعي الفكري المتضمَّن في النّصّ، فهذا ما نتلقاه عبر الفنّ بالدرجة الأولى حيث لا يخلو نصّ من ذلك.
وماذا عن الاختلاف في الأجناس الأدبيّة؟ بالتّأكيد ثمّة تفاوت في ذلك، ففي الشّعر نظن أنّ أكثر ما سيفاجئ القارئ، أن يكون الشّاعر قد استطاع جعل المفردات مطاوعة ومنسجمة في نصّ شعريّ، لاختلاف بنية النصّ الشعري عن النّصّ السّردي أو الدّراميّ.. أمّا في الرّواية والقصّة، فنظنّ أن الموضوع سيكون مادة خصبة لمن أراد أن يقدّم نصّاً موازياً للموضوع الواقعي عبر الفنّ السّرديّ، والأمر نفسه فيما يتعلّق بالمسرحيّة، وإن كنّا نظنّ أنّ ارتباط التّأثر سيكون أقوى في المجال السّردي بسبب طبيعته الإبداعيّة السرديّة.
هذه إجابة عن سؤالٍ سابق على مرحلة الإبداع- وإن كنا شهدنا بعض العنوانات الأدبيّة المرتبطة بالموضوع – لكن الإجابة الدقيقة، ستكون مع النّتاج الأدبيّ الناجز والمرتبط بالموضوع والنّصّ.
توفيقة خضور: روائية
جائحة كورونا أثّرت في مناحي حياتنا كلّها.. ولم يسلم الأدب من آثارها، بوصفه الكائن الحي الأكثر استعداداً للاستجابة لما يحدث سلباً أو إيجاباً.. فهذا الوباء الذي هزّ العالم، قدّم للكتّاب مادة غنية جديدة تخوض فيها أقلامهم.. ومنحهم كذلك العزلة التي تُعدُّ أهم عوامل الإبداع.. وقد صدرت روايات عدّة تناولت الآثار السلبية لهذا الوباء على العلاقات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية.. وبعض تلك الروايات ألقت الضوء على التكافل الاجتماعي والتواشج والتعاون الذي احتضنته بعض المناطق خلال الحجر.. ويمكنني القول بكلمة أخيرة: إن أقلام الكتّاب تشرب من نسغِ الواقع المعيش، أيّاً كان مذاقه وتُحوِّلهُ في مختبر روحها أدباً يضوع برائحة الحياة.
حسام خضور: روائي ومترجم
لا شكّ أن لجائحة كورونا تأثيرها في الأدب ومجاوراته، برز أولاً في صناعة الكتاب والدوريات، فتوقف النشر الورقي ولا سيما في الدوريات، وازدادت حصة الكتاب الإلكتروني، وتوقفت النشاطات الأدبية المباشرة مع الجمهور، وزادت نسبة القرّاء بسببِ العزلة المفروضة بأشكالٍ مختلفة.
ربما لم يشهد العالم جائحة طبيعية كان لها هذا التأثير، في كلّ مظاهر الحياة، مثلما فعلت كورونا.. طبيعي أن ينعكس هذا في الأدب؛ وقد جاء سريعاً.
في سورية، تبدَّى ذلك في الرواية والقصة أولاً، ويُفترض أن يشهد المسرح أعمالاً أصيلة تصور التغير الذي طرأ على حياة الناس اليومية.. ويُفترض أن يجد منعكساً له في الشعر، في المراثي خاصة.
ربما كان للجائزة التي أعلن عنها فرع اتحاد الكتاب في دمشق، تأثير مباشر وسريع دفع باتجاه التفكير في كتابة الرواية، فظهرت مجموعة من الأعمال الروائية التي تعكس فعل هذه الجائحة في حياة الناس.. وقد تندرج قصتي القصيرة “الحياة جسد” في هذا المضمار أيضاً.
في تقديري، الأمثلة على تأثيرها في الرواية والقصة القصيرة متوفرة، وفي الأجناس الأخرى، مفترضة في الشعر (ليس لديّ أمثلة)، وربما طبيعي أن تتأخر في المسرح.
خليل العجيل: روائي
كورونا اقتحمت العالم فجأة.. فيروسٌ لا يُرى بالعين المجردة، ولكنه أرعب العالم وحصد كثيراً من الأرواح، وشَلَّ حركة الحياة، رعب وخوف، حيَّرَ حتى الأطباء والعلماء.
توقفت حركة الحياة.. كلّ الحياة، وكان له تأثير اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي، وحتى نفسي نتيجة مكوث الإنسان بين أربعة جدران.. لاحقاً ﺳﻴُﺨﻠِّﻒ الوباء ﺁﺛﺎﺭﺍً ﻋﻤﻴﻘﺔ، وخاصة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ الذين يعانون أصلاً من ﺃﺯﻣﺎﺕٍ ﻣﺎﻟﻴﺔ وعطالة جماعية، انتشر الفقرُ بشكلٍ أكبر، بسبب توقف العمل أيضاً لمدة طويلة.
ثقافياً، توقفت الندوات والمحاضرات والأمسيات الأدبية بشكلٍ عام، بسبب فرض الحظر الإجباري والتباعد الاجتماعي والخوف من الإصابة، وأيضاً توقفت دور النشر عن الطباعة والبيع وحفلات توقيع الكتب والمعارض.. وإلى الآن حتى الصحف المحليّة متوقفة عن الطباعة ورقياً، كلّ هذه الأشياء والجمود العام، أثّر على المبدع والأدب سلباً، مادياً ومعنوياً ونفسياً.
سوزان الصعبي: قاصة
اليوم ليس كالأمس بالنسبة لهذا الوباء، والعالم بدأ يستعيد عافيته ويمارس حياته بشكل طبيعي، وعادت جميع النشاطات والأعمال والرحلات إلى سابق عهدها، ولم يعد الإعلام يركّز ويضخّم في حالاتِ الإصابات والوفيات، بالتالي لم نعد نتوقف كثيراً عند هذا المرض، لم يعد يؤثر في حياتنا، وفي الأساس نحن العرب نعيش معاناة إثر أخرى، نحن واجهنا واقعاً مأساوياً طوال عقد، وخاصة في سورية والعراق ولبنان واليمن، وفقدنا أساسيات الحياة الكريمة، فاعتدنا ربما على قسوة الحياة، وتغلّبنا في أحيانٍ كثيرة عليها، ومازلنا نتحدى الفقر والحاجة، وخسرنا أكثر مما يقال، لذا أرى أن كورونا ليست سوى محطة صغيرة في طريق العبث الذي نعيشه، وقد تؤثر في الأدب والأدباء وقد لا تؤثّر، فالمآسي التي صارت خبزنا اليومي أكبر بكثير.
سومر شحادة: روائي
كورونا غيرت شيئاً في التواصل بين البشر عامّة.. لقد أصبح البشر غرباء يتحاشون التحيّات ويتحاشون العناق، لربما إذا استمر هذا الحال لسنوات طويلة؛ سيصبحُ للعناق دلالة أعمق في مشهدٍ روائي ما؟ لا أستطيع أن أخمّن، ذلك لأنّنا لا نعرف كم سيعيش الكورونا بيننا.. ربما يصير مجرد ذكرى أليمة، وربما نصبح، بعاداتنا في التواصل، بشراً من الماضي.. لكن الواضح الآن أنّ المرض جعل علاقة الإنسان مع جسمهِ علاقة قهرية؛ أنت تخاف من يدكَ التي تلامس أشياءَ تخصّك، وتخاف من نظارتك التي ترى من خلالها.. أيضاً لا أستطيع أن أؤكد بأنّ ذلك سيظهر في الأدب في تصوير علاقات جديدة للبشر مع أنفسهم وفيما بينهم، إلى جانب علاقاتهم مع الأشياء من حولهم.. أرى أنّ ظهور أدب خاص بالكورونا، مرتبط بزمنِ إقامة هذا المرض معنا، وبالتغيّرات التي سوف يحدثها بصورة مستمرة في حياتنا. لقد جعل الإنسان أكثر وحدة، ولربما تأخذ الفنون بصورة عامة، دوراً أكبر في عالم الأفراد الوحيدين والمعزولين عن النّوع!.
د. عاطف البطرس: ناقد أدبي
إذا كان لكورونا تأثير فمن المبكّر ظهوره، لأن كورونا لم تترك آثارها في الوجدان كما فعلت في الأجساد.
عبد الجواد صالح: شاعر
مع نهاية عام 2019 م، تمكّن فيروس كورونا من القفز خارج أسرِ المخابر، ليشكّل فضاءاتٍ من الرعب الذي سيطر على البشرية، وجعلها تقف عاجزة عن التصدي بحزمٍ لهذه الكارثة أو تلافيها، بغضِّ النظر عن نتائجها المرعبة.
وإذا كانت تداعيات هذا الوباء (اجتماعياً وسياسياً) أمراً غير واضح المعالم حتى هذه اللحظة على الأقل، فإن التداعيات الاقتصادية هي الأوضح والأشدّ إيلاماً، خاصة للمجتمعات الفقيرة في دول العالم الثالث التي تعاني اقتصاداتها أصلاً من الكوارث، فجاء فيروس كورونا ليزيد الطين بلّة، ويضع هذه المجتمعات في مأزقٍ مرعبٍ على مستوى الحكومات، وعلى مستوى الأيدي العاملة التي وجدت نفسها سجينة عطالتها، دون أيّ دخل يساعدها على احتمال هذه الحالة، فبدأت تأكل من لحمها، هذا إن كان لديها لحم أصلاً؟.
فلجأت حكوماتها إلى تقليل فترة الحظر المفروض على المجتمع كلّه، ولو كان ثمن ذلك، المزيد من الإصابات والأرواح والغمّة، وصولاً إلى الخندق الأخير (التحصّن) بالإيمان: “قل لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم”.
حتى الدول الغنية، عانت من توقّف المصانع عن العمل، وتدهورت أسعار النفط وصولاً إلى السعر السلبي لبرميل النفط، بمعنى: اسمح لي أن أفرغ لك حمولة حاملة النفط مجاناً، وأعطيك فوقها مبلغ كذا…..
أما أن تؤثر جائحة كورونا في الأدب بكلّ أجناسه، فأظنّ أن الوقت مازال مبكراً على هذا التأثير، وإلى أن تنتهي معركة البشرية مع “كوفيد”19 بنصرٍ مدفوع الثمن، فعلى الأدباء أن يحذروا ليلَ نهارَ، من أن يصنع في المخابر “فيروس” آخر، يكون فيه فناء البشرية.
طه حسين الرحل: شاعر
كان تأثير الجائحة وما زال، وإن بشكلٍ أخف، عاصفاً ومزلزلاً في حياة البشر والمجتمعات، على الصعد النفسية والسلوكية والاجتماعية، وعلى صعيد منظومة القيم الأخلاقية.. الأمر الذي يستوعب الكثير من الدراسات والتحليل والتأمل.. حيث “تذهل مرضعة عما أرضعت” و “ترى الناس سكارى وما هم بسكارى”.. لكنه الخوف! الخوف في حَدِّه الأقصى، من كائنٍ لا يمكن رؤيته..
هذه الجائحة ليست بلا سوابق، فالمجتمعات البشرية تعرضت للكثير مما كان أكثر تدميراً وكارثية، لكنها كانت تموّن الأدب بموضوعات جديدة، مثل قصيدة نازك الملائكة عن الكوليرا التي ضربت مصر.. أما التأثير الحاسم والعميق في الأدب بأجناسه من شعرٍ ورواية ومسرح، فضلاً عن الفنون الأخرى من رسم وموسيقا، فكان للحروب، فالحروب العالمية ولَّدت مدارس ومذاهب في الأدب والفن والفكر مثل السريالية واللامعقول.. وفي الأدب العربي يجعل الدارسون حروب التحرّر من الاستعمار، ونكبة فلسطين، من مقدمات كسر القالب التقليدي في الشعر، لصالح ولادة الشعر الحديث..
وقد يكون الوباء سبباً في غزارة إنتاج الأدباء، بسبب ما فرضه من ضرورة التباعد وتقليص العلاقات الاجتماعية، وهذا بدوره يفرز أدباً يغلب عليه طابع العزلة والقلق من المستقبل، ومن الحياة بشكلٍ عام.
عتاب شبيب: روائية
لا أعتقد بأن الجائحة ستؤثّر على الأدب أو تغيّر فيه، ولن تكون سوى زمن من الأزمنة العابرة.. قد تظهر ببعض الأعمال للدلالة على الزمن لا أكثر.. الأدب أكثر فضولاً من أن يُحْجَرَ عليه من وباء عابر، فالكوليرا وخطرها لم تترك سوى القليل من الأثر في الأدب العالمي.
د. عيسى درويش: شاعر
لا شك في أن الاقتصاد يؤثّر في حياة الإنسان، والعمل ضرورة إنسانية وحياتية. وقد أثّرت جائحة كورونا على الاقتصاد العالميّ في كلّ القطاعات، وخاصة بعد عولمة الاقتصاد وتداخل الاقتصاديات العالمية.. الأمر الذي خلق ملايين العاطلين عن العمل، وألزم الملايين منازلهم بسبب الحظر المنزلي.. وترك آثاراً على البلدان الفقيرة التي لم تستطع شراء اللقاحات..
مناظر ملايين الموتى حول العالم، شكّل صدمة للضميرِ الإنساني، وفضح هشاشة النظام الإمبريالي، مُمثَّلاً بالولايات المتحدة وأوروبا.. ووضع الفكر الإنساني أمام أسئلة كبرى حول مصير الجنس البشري..
كلّ ذلك أدى ويؤدي إلى التأثير على الأجناس الأدبية، وربما بدأ هذا التأثير في الرواية والمسرح، وسيتبعه الشّعر والقصة القصيرة إلخ.. ويخلق تفكيراً بالتأثير النفسي على سلوك الإنسان وصحته العقلية، الأمر الذي ينعكس بوجود تأثير للتحليل النفسي في العمل الأدبي، وخاصة ظاهرة القلق والخوف، وربما التباين العرقي والديني..
الخلاصة: الأدب هو انعكاس لحياة الناس في طريقة عيشهم ومعالجة سلوكهم، وسنرى أثر ذلك في القريب العاجل…
فاتن ديركي: روائية
مما لا شك فيه، أن الأديب يتأثّر عموماً بمجملِ الظروف المحيطة به، أيّاً كان سببها ومنشؤها، وهذا بالتالي ينعكس على منتوجه الأدبي.
وإن جائحة كورونا التي تزامنت مع ظروف الحرب وما تبعها من انهيارٍ على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية، وما أدت إليه من عقوبات وضغوطات على الشعب السوري، كلّ هذا يرسم في روحِ الأديب سحابة حزنٍ لابد أن تتجلّى في كتاباته عموماً. وارتبط هذا الحزن بالإحباط والقلق من وباء كورونا، وخاصة بعد الإصابات الكبيرة التي شهدناها خلال انتشار هذه الجائحة.
وقد يكون الوباء سبباً في غزارة إنتاج الأدباء، بسبب ما فرضه من ضرورة التباعد وتقليص العلاقات الاجتماعية، وهذا بدوره يفرز أدباً يغلب عليه طابع العزلة والقلق من المستقبل والحياة بشكل عام.
فتون حسين الحسن: شاعرة
تأثيرات كورونا الظاهرة حالياً، تتمثّل في التدهور الاقتصادي في كلّ الدول، خاصة الدول الفقيرة منها، وقد ظهرت انعكاساتها في المجتمع الذي أصيب بمختلف أطيافه بأضرارها، بدءاً بالإصابة التي قد تنتهي بالشفاء لتحمل الآخرين على التفاؤل والدعم النفسي والمساندة في مواجهة هذا الوباء، وقد تنتهي بالموت، وهذا ما يجعلها تصير مصدراً للقلق والخوف والإيمان بالغيبيات، وما لهذه العودة من آثار سلبية على بنية المجتمع الأخلاقية والحضارية.. ويمكن لهذا التدهور أن يجعل الأدب يتوجه إلى محاولات تفسير هذه الجائحة على أنها مخطط مصمم مسبقاً للقضاء على اقتصاد الدول في محاولة للسيطرة عليها، وتأييد الرأي القائل: إن هذا الفيروس خرج من المختبر الصيني بشكلٍ مقصود، لكنه خرج عن السيطرة، وهذا يتماشى جداً مع سياسة بعض الدول، حيث يؤثّر التدهور الاقتصادي في استقلالية الدولة اقتصادياً، ويضعها تحت رحمة الدول المسيطرة اقتصادياً وسياسياً، ما يصل بالأدب الباحث والمتقصّي لحيثيات هذا الوباء بأنه – كما كل الأوبئة على مرّ التاريخ – وباء سياسي مُصنَّع خصيصاً للسيطرة على الدول، وللأسف إن الخوف هو المسيطر على أجواء الأدب، مما يجعل الحالة الإبداعية تتراجع من الاستشراف إلى الوصف، ومن الإقدام والسعي إلى الهذيان والاستسلام، وصولاً إلى أدبٍ ارتجاليّ لا يثق بأنه يمتلك الوقت الكافي ليقول كلّ ما يريد، بل هو فكرٌ قلقٌ وفق محملٍ فكري وديني وسياسي واقتصادي قلق، لكنه وإن عجز عن تقديم حلول للقضاء على هذا الوباء – وهو واجب الأدب – فإنه يجاهر بتفصيلات الحياة، ويصف الراهن بطريقة لا تخلو من جماليات الإبداع في الوصف الذي يعتبر القلق عماده ومنبعه، وهذا لا ينفي واجب الأدب في العمل على تحذير المجتمع، ورفع وعيه تجاه هذا الوباء، لكننا دائماً بانتظار أدبٍ يتجاوز الراهن ليستشرف المستقبل، بوعيٍ يرتقي بالإبداع عن اليومي والسائد في زمن كوفيد 19، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، لكنه حتمي الحدوث قريباً جداً، عند انتهاء هذه الموجة الشرسة من الوباء.
التاريخ: الثلاثاء26-10-2021
رقم العدد :1069