الملحق الثقافي: هفاف ميهوب :
ما لاحظه الفلاسفة قديماً، هو تمسّك الإنسان برأيه، ودفاعه عنه بقوّة، مع صعوبة إقناعه بتغييره، أو تبنّي غيره.. هذه الملاحظة، كانت مثار اهتمام هؤلاء الفلاسفة، ودافعهم لإزالة الغموض عن العقل، ولدراسة الأفكار التي يتبنّاها الإنسان، ويتمسّك بها، حتى وإن كانت مدمّرة له ولمجتمعه.. كانت أيضاً، سبباً في تحصين الفلاسفةٌ والحكماء، من كلّ الأفكار الفوضويّة والهدّامة، التي نراها اليوم، تستشري في العقول بأكثر من وباء.
يصلح أن نقول لهؤلاء الموبوئين فكراً ورأياً، قول المفكّر الأميركيّ «ريتشارد برودي» في كتابه «فيروسات العقل»، الذي نبّه فيه أمثالهم ساخراً:
«هذا الكتاب يحتوي على فيروساتٍ عقليّة خطيرة، لا تستمرّ في قراءته، إلا إذا كان لديك الرغبة بالإصابة بالعدوى، هذه العدوى قد تؤثّر بشكلٍ ملحوظ على طريقة تفكيرك، وقد تغيّر نظرتك إلى العالم، وتقلُبها رأساً على عقب..»
حتماً، هي فيروسات عقليّة خطيرة في تأثيرها، وقد تنتقل من إنسانٍ إلى آخر، وهو ما شهدناه على مدى الحرب التي استشرت فيها الأفكار السوداء، فانتقلت أوبئتها إلى عقولٍ كثيرة، خرّبت وانتهكت وأفتت، بما دمّر الحياة والبشر..
يدفعنا هذا إلى الحذر من عدوى الأفكار، التي يتبنّاها من قتلوا التعقّل إلى أن مات الوعي.. وكأنها نشأت معهم، كالعلقةِ تمصّ وعيهم، بعد أن التصقت بعقولهم، وجعلتهم غير قانعين بتغييرها، أو الاعتراف بتلوّثها الوبائي..
موت الوعي هذا، سببه التهام فيروسات العقل، لكلّ فكرةٍ صائبة وعاقلة، وهو ما نعيشه في هذا العصر الموبوء فكريّاً، ولا يمكن التعافي منه، إلا بالتأمّل مراراً وتكراراً، وإن لم يكن فيما أطلقه هذا المفكّر أو سواه، فليكن فيما أطلقه فيلسوف المثالية.. «أفلاطون» الذي لم يتجرّأ أيّ وباءٍ على الفتكِ بعقله، أو الاقترابِ من مدينة أخلاقه… فليتأمّل كلّ منا في ردّه، وعلى من لاموه لنقدهِ أستاذهِ:
«إنّ أستاذي عزيزٌ عليّ، لكنّ الحقيقة أعزُّ عندي»..
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء26-10-2021
رقم العدد :1069