الملحق الثقافي:شهناز صبحي فاكوش:
تُليَ علينا ما حفظه الآباء والمعلمون جيلاً إثر جيل، عن قصةِ النملة النشيطة والصرصار الكسول، وُضعت في فترةٍ زمنيّةٍ ضمن مناهجنا الدراسية، على أنها تراث متناقل، يعطي العبر في الفارقِ بين النشاط والكسل، ونتائج كلٍّ منهما على حياةِ الكائنِ الحيّ، لكنها بقيت في المفهومِ العام تراثٌ أدبي، مجهولةٌ هويّة كاتبه.. تناقلته الأجيال شفاهاً ورواية.. في حقيقة الأمر ليست مجهولة، لكنها لم تُنسب لكاتبها الأصلي، سوريّ النسب أفامي الجذرِ، شاعر وأديب عاش في القرن الثاني قبل الميلاد.. إنه «بابريوس الأفامي»..
سرقها منه «جان دو لافونتين» الفرنسي، الذي يُعتبر أشهر من كتبَ قصصاً خرافية، في تاريخ الأدب الفرنسي، وفهم تراكيب اللغة الفرنسية قبل عصر «هوجو».. لم ينسب القصة لمؤلّفها الحقيقي، الذي يُعتبر إرثه أكبر من النحلة والعصيّ، حتى أصبحت من صنف الأساطير الغربية.
كما سرقها «ابن المقفع» فنُسبت للتراثِ العربي.. مثقفان أديبان أورثانا تلك القصة الجميلة وغيرها.. لصّان ظريفان، لم تقف لصوصيتهما بين النحلة والصرصار، بل استعارا قصة الرجل صاحب العصيّ وأولاده، في الحكمة الخالدة: «العصيّ لا تتكسّر إن بقيت مجتمعة».
لصوصٌ ظرفاء إرثهما ما لا يملكان.. تُرى هل نعلم كم من العبرِ ودروس الأدب والحكمة والأخلاق وصلتنا؛ باستعارةِ ما اختُلس من المالكِ الحقيقي، الشاعر والأديب السوري «بابريوس»؟!.. هل من أديبٍ غيره اقتُنصت نصوصه، لتصبح تراثاً مجهول (الهوية)؟.. لنبحث معاً..
لله درّك سورية الولّادة منذ بدء الخليقة.. أيّتها السيدة في كلّ شيء، منجبة الأخلاق الحميدة وثقافة الرقي الإنساني، وحالة التماسك التي تمنح القوة للجموع، بينما تسهل هزيمة الفردِ والنيل منه، عندما يبتعد عن عصبة الخير.. سيدة القمح.. وتعشيق الزجاج.. وعطر الياسمين..
الكثير الذي يغيب عن كتبنا ومناهجنا، لنقرؤه ويُتلى علينا، ويدوّن تحت عنوان موروث ثقافي، أو من حضاراتِ الشعوب.. بينما يغيب اسم السوري الأصيل.. تُرى كم من الأسماء اندثرت تحت مصطلحِ التراث، أو الموروث الثقافي، في معظم الدنيا، وأغلبه من بلادنا؟..
اللصوصُ الظرفاء «لافونتين» و»ابن المقفع» أحسنوا السرقة، ونقلوا لنا ما وَضَعَ بين أيدي الصغار كمية من المعايير السلوكية والأخلاقية.. وللعقلاء ما يمكن تداوله، لذا يمكننا القول: «تُرفع لهم القبّعة».. تُرى كم مثلهم يمكننا تدوين اسم، في مصفوفة اللصوصِ الظرفاء؟..
لكنَّ هذا لا يعني أن تصبح عملية اقتناصِ الأدب والنصوص عادة، لأن الأفضل منها أن تُنسب النصوص إلى أصحابها، لتتجلّى قيمة الأدب الحقيقي لكلّ أمةٍ.. في عصرنا الحالي أصبح للملكية الفكرية حصانة مقوننة، وللكاتب حقٌّ في التخلّي عما يمتلك، أو يشتكي.. ولكلّ صاحب نصٍّ حقّ مقاضاة من يقتنص نصاً أو مادة، فلا مكان في زماننا هذا للصوصِ الظرفاء، على أن المقاصد اليوم ليس فيها من عفويّةٍ أو ظرافة..
التاريخ: الثلاثاء9-11-2021
رقم العدد :1071