الملحق الثقافي: ميثاء محمود:
يرى الأديب والشّاعر والمفكّر اللبناني “ميخائيل نعيمة” أن “الأدب الذي هو أدب، ليس إلا رسولاً بين نفس الكاتب ونفسِ سواه، والأديب الذي يستحق أن يُدعى أديباً، هو من يزوّد رسوله، من قلبه ولبّه..”..
ربما لا تكفي رؤية “نعيمة” هذه، للدلالة على مقدار ما سعى لمشاطرة العالم اكتشافات دواخله، وعوالم نفسه وعواطفه.. لكنها قد تكفي، إن علمنا أن أكثر ما كان يهمّه ويشغله في العالم، الإنسان الذي لم ينحز يوماً إلا لمعسكره، فقد ألبسه أفكاره وقيمه وأدواره، وشاركه أفراحه وأحزانه، ولواعج نفسه وانتكاساته مثلما نجاحاته..
يقول في ذلك، موجّهاً كلامه إلى من يقرأ أعماله: “المعسكر الوحيد الذي أنتمي إليه، هو معسكر الإنسان، التوّاق إلى النظام السرمديّ، لأنعتق به من ربقةِ الجهل، وكلّ ما يولّده من قلقٍ وخوف وبغضٍ وتنافر.. هذا المعسكر لا يرغي ولا يزبد ولا يقرع الطبول، لأنه يؤمن أعمق الإيمان، بأن الإنسان أخُ الإنسان، أينما كان، ومن أيّ لونٍ أو عقيدةٍ أو لسان”..
لم يكن كلامه هذا مجرّد تنظير، لطالما أكّدته أغلبية أعماله، ذلك أنه كان يعتبر أن الأخوّة الحقيقيّة، هي التي تجمع الناس عبر التعاون والتشاور والتضامن والإنصاف، وبعيداً عن كلّ ما يؤدّي إلى تناحرهم وتباعدهم وجفاءهم واقتتالهم وتمزّقهم…
رأى ذلك، ليدعو بعدها مراراً وتكراراً، وبصوتِ الإنسان الذي فيه، ووجده يتفوّق على صوت الكاتب، إلى رفضِ وإدانة كلّ ما من شأنه، أن يستبيح فكر أو وجود أو حتى دم الإنسان، ومن يستبيح فإنه وعلى رأيه: “أباح دمه لإبليس”..
هكذا كانت “دروب” الحياة لديه، يأبى أن يتكبّر إنسانٌ فيها على آخر، مثلما أن يذلّه، معتبراً أن: “الكرامة تاجٌ من نسيج العنكبوت، تعيثُ به نفحة ريحٍ عابرة، قد لا تكون أكثر من كلمة طائشة، أو حركة نابية، تأتيه من حسودٍ أو نمّامٍ أو عدوّ، أو حتى صديق حميم..”
يا لها من دروبٌ، كم نحتاج لمن يعبّدها بالمعرفة والقلم الإنساني، اللذين عبّد بهما “نعيمة” دروب حياةٍ لأنه كان أحد قادة النهضة الفكريّة والثقافيّة والإنسانيّة والروحيّة فيها، استحقّ أن يلقّب بـ “أديب ورائدِ الإنسانيّة”..
نعم، هو أديب ورائد إنساني، بل وأحد أهمّ أعمدة مدرسة المهجر، ومؤسّس “الرابطة القلمية” إلى جانب أدباء آخرين، كـ “نسيب عريضة” و”جبران خليل جبران” وإيليا أبي ماضي” وغيرهم…
التاريخ: الثلاثاء9-11-2021
رقم العدد :1071