الثورة – عبد الحليم سعود:
اليوم تضيء مدينة حلب الشهباء شمعة جديدة بمناسبة الذكرى الخامسة لملحمتها الخالدة في مقاومة ودحر الإرهاب والانتصار عليه، حيث سطّر أبناء هذه المدينة الباسلة بمؤازرة الجيش العربي السوري البطل وحلفائه صفحات ناصعة في التاريخ الحديث بعد أن خاضوا أشرس المعارك في مواجهة جحافل الإرهاب العالمي المصدَّر إليهم من شتى أصقاع الأرض برعاية أميركية وغربية وإقليمية، واحتضان ودعم ومشاركة مباشرة من قبل النظام الأردوغاني الأخواني الحاقد صاحب الأطماع العثمانية القديمة في أرض وخيرات وثروات السوريين، ليشكل انتصار حلب في مثل هذه الأيام من عام 2016 تحولاً حاسماً في مسيرة الحرب على الإرهاب التكفيري وداعميه الدوليين على مساحة الجغرافية السورية، حيث شهدت الفترة اللاحقة لهذا الانتصار الكبير هزائم متلاحقة للجماعات الإرهابية بتنوعها الداعشي والقاعدي والأخونجي في مناطق عديدة منها البادية السورية ومدينة حمص وغوطتا دمشق والقلمون الشرقي والغربي مروراً بدير الزور والبوكمال والحدود العراقية السورية وصولاً إلى القنيطرة وليس انتهاء بمدينة درعا التي كانت آخر المناطق التي دحرت الإرهاب هذا العام.
وقد أشار تحرير حلب في حينه بشكل واضح إلى أن المعركة ضد الإرهاب قد حسمت بشكل كبير لصالح السوريين، لأن حلب بوصفها عاصمة الشمال السوري وثاني أكبر المدن السورية كانت جوهر المشروع العدواني الذي استهدف سورية بالنظر إلى موقعها وأهميتها الاستراتيجية ودورها الفاعل في الحياة الاقتصادية للسوريين واحتوائها على بنية صناعية متفوقة على مستوى الإقليم، وهذا ما كان يفسر قيام نظام أردوغان ومرتزقته وإرهابييه خلال محاصرة المدينة ومحاولات اجتياحها بسرقة معامل ومصانع وورش مدينة حلب وتفكيكها ونقلها إلى الأراضي التركية، إضافة إلى تخريب البنية التحتية والعمرانية والحضارية من أجل إضعاف الاقتصاد السوري وتدميره كمقدمة لفرض أجندات وإملاءات سياسية.
اليوم وبعد خمس سنوات من التحرير وعودة الكثير من أبنائها المهجرين إليها عادت حلب شيئاً فشيئاً إلى موقعها ودورها ونشاطها المعهود، وبدأت عجلة الاقتصاد السوري تدور بنشاط وثقة بعد أن أولت الدولة السورية أهمية كبيرة لتفعيل النشاط الاقتصادي والصناعي في هذه المدينة الغنية بالكوادر الكفوءة واليد العاملة المنتجة والشعب المحب للثقافة والحياة، وهو الأمر الذي انتبهت إليه دول محور العدوان وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، حيث فعّلت عقوباتها الاقتصادية الظالمة وحصارها اللا إنساني على السوريين عقاباً لهم على محاربتهم الإرهاب ودحرهم له تحت عنوان “قانون قيصر” الإجرامي، في حين أخذ النظام التركي ضوءاً أميركياً أخضر لاجتياح مناطق وبلدات في الريف الحلبي كالباب وعفرين وغيرها من أجل منع أهالي حلب من استثمار الموارد الزراعية الموجودة في محافظتهم الخيرة، في حين تم تجميع وحشد بقايا التنظيمات الإرهابية المهزومة في محافظة إدلب المجاورة وبعض الريف الحلبي للتأثير ما أمكن على نهضة حلب وتعطيل دورها الفاعل في استكمال الانتصار السوري.
يمكن القول إن المشروع أو المخطط الأمريكي الذي كان يهدف إلى إسقاط سورية وإلحاقها بالمحور الأميركي قد سقط، وما من شك أن مدينة حلب قد ساهمت بقسط كبير من هذا الانجاز، وهو ما فسر الجنون والهستيريا الإعلامية والسياسية التي ضربت العواصم الغربية أثناء معركة تحرير حلب، حيث انصب اهتمام الغرب وما يزال على محاولة تشويه هذا الانتصار والتقليل من شأنه والإساءة إلى بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري وحلفائه عبر اختلاق الأكاذيب والروايات المضللة بخصوص الوضع الإنساني والهجمات الكيماوية الفبركة وغيرها من الحملات المغرضة، ليكتشف العالم حجم وأبعاد المؤامرة الكونية القذرة التي استهدفت سورية على مدى نحو 11 عاماً.
لا جدال في أن انتصار حلب قد لفت أنظار العالم إليها كمدينة عظيمة استطاعت أن تنهض من تحت الركام بسرعة قياسية وتستعيد مكانتها ودورها اللائقين، وما اعتراف منظمة اليونسكو بالقدود التي تشتهر فيها حلب كجزء من التراث الثقافي العالمي إلا اعتراف غير مباشر بانتصار المدينة وأهلها وتأكيد على عمق وأصالة الهوية الثقافية والفنية التي حاول الإرهاب الحاقد محوها وإزالتها من الوجود