الثورة – غصون سليمان:
تكتنز الموهبة في داخل الفرد جوهرة حقيقة لا يدركها إلّا صاحب الإرادة ومن يتعايش مع أدواته بالمحبة والشغف
في مساحة التراث السوري وعلى امتداد بساطه المزركش من الحرف والمهن اليدوية.
تظهر على الواجهة وفي كل مرحلة من مراحل العمل الحضاري للمجتمع السوري بصمة أنيقة لأيد ماهرة حفرت وصاغت تحفاً فنية تراثية رائعة تعكس خصوصية الفن الشرقي وحوامله المبدعة لمن امتهنوا متعة الإنجاز للحفاظ على التراث الوطني لعشرات السنين.
الحرفي مأمون حلاق ابن حي باب سريجة بدأت حكايته مع مخرطة خشب تراثية قديمة منذ خمسين عاما وقبل انتشار الكهرباء، فبقي لوحده محافظاً على هذه الصنعة على مستوى الجغرافية وحماها من الاندثار بعدما كانت على وشك الانقراض.
يتحدث الحلاق من خلال مشاركته في معرض التراث الذي أقيم بالتزامن مع ندوة التراث والإعلام وتحديات العولمة مؤخراً في كلية الآداب جامعة دمشق “قسم علم الاجتماع” أنه الوحيد الآن في هذه المهنة على مستوى سورية حيث عبر في لقاء معه عن عشقه لفن الرسم والزخرفة الذي يتقنه بعد صناعة الأشكال الفنية، من خلال مخرطة الخشب البسيطة والتي هي عبارة عن دف خشب ولها فخذ من الجانبين وسبكتين ثابتتين، وقضيب من الحديد من أجل وضع القدم عليه حيث يتم العمل باليدين والرجل مع وجود قوس من قضيب ومعه حبلة لبرم الخشب كي يبدأ بالعمل.
انا من يصمم الموديل الذي أريده ومن ثم أخرطه يقول الحلاق.. وبعد خرط الشكل والموديل الذي يختاره يقوم بعملية الرسم والزخرفة فهو مختص بالتراث وألوانه المختلفة بغية الحفاظ عليه ليبقى ذاكرة للأجيال المتعاقبة. فجرن الكبة ذائع الصيت على سبيل المثال لا الحصر والذي كان يصنع من الحجر أيام زمان هو اليوم يصنع من الخشب، والمفارقة أن هناك أشخاصاً أعمارهم ما بين ٤٠ و٥٠ عاماً لا يعرفون ما هذا التراث فما بالنا بهذا الجيل.
ويؤكد الحرفي حلاق أن عشقه للتراث يؤثره في بعض الأحيان على حساب بيته وحياته، ولا سيما أن هذه المهنة لا مورد لها ولا تطعم خبزاً، لكن الرغبة الأساسية هو الحفاظ على تراث سورية الغني بكل شيء، لذلك يتوجب علينا كحرفيين أن نكون حاضرين في كل المعارض، وهذا ما نحرص عليه في جميع المعارض المتخصصة مهما كانت التكلفة.
ومن خلال رؤية أعمال الحرفي حلاق فقد غلبت على رسوماته نماذج مصغرة لأشكال العود، والمهباج، صحون خشبية مزخرفة، أرابيسك ناعم.
المهنة متوارثة أباً عن جد كما يشير حلاق لكنه هو من أدخل الشكل والتصميم المناسبين عليها.
وعن المدة الزمنية لإنجاز القطع المصممة أشار ابن حي باب سريجة على أن بعض القطع تحتاج ساعات، وأخرى أسبوعاً وربما شهراً كاملاً حسب نموذج كل قطعة تراثية.
قطع رائعة الحضور جمعتها طاولات عرض بأبسط الأدوات الخشبية أغنتها قلوب محبة وأيد حانية تجيد لغة الفن بالموهبة والإصرار والمتابعة.